يتسم عصرنا اليوم بكثرة الشعارات ووفرة التصريحات وضجيج الاصوات التي تدافع عن الانسان ، تصريحات تشبه البالونات الكبيرة الفارغة ، وخطابات تخرج من أفواه معطرّة بشذا المبادئ الرمادية ، ومغسولة ببريق الايمان المزيف .
وفي العراق تكون الشعارات أكثر جاذبية من خلال ألوانها الزاهية ، في باطنها محاصصة مقيتة وفي ظاهرها شعارات تتحدث عن الوطن الواحد والشعب الواحد وترفض مبدأ المحاصصة ، والكل يحصّص ، ويبذل الغالي والنفيس من أجل أن تبقى المحاصصة المنهج الأمثل لسير العملية السياسية .
ومنذ دخول هذه المصطلحات إلى الخدمة في التعامل والخطاب ، وأركان المشهد السياسي يحذرون من خطر الطائفية ، وآثارها السلبية على وحدة البلاد والعباد ، ومع قليل من الفطنة ، وكثير من التأمل ، نجد أن أدعياء مكافحة الطائفية طائفيون حدّ النخاع ، وأنّ المحاصصة والطائفية تلوذان بمشروع واحد معدّ له سلفاً ، وبعناية فائقة ، وقد خصصّت له الأموال الطائلة ، والجهود الكبيرة ، من أجل أن يصبح منطلقاً لكل عمل سياسي قادم .
وبين ما يطمح له الشعب في تحقيق حياة قائمة على العدل والمساواة، وما يجاهد من أجله رموز السياسة من تعميق لمفهوم المحاصصة والطائفية، اتسعت الفجوة بينهما ، وازداد الشرخ عمقاً ، وبدأ الإحباط يستوطن النفوس .
الشعب الذي أكلت أطرافه الرزايا ، ومزّقت أوصاله عواصف الفتن ، بدأ طموحه ينحصر في دائرة الأمن والأمان ، وبعض المنحرفين لا يحلو لهم إلا مشهد الدم العراقي يراق على أرصفة الشوارع ، ولا يطربون لإلا على أصوات الانفجارات ، وهي تنشر الدمار على ربوع الوطن المحتضر .
العاطلون والخريجون الذين سحقتهم أقدام الفقر ، وأذلهم العوز ، يطالبون بتحقيق فرص عمل لهم ، ولا يهمهم أن تأتي هذه الفرص عن طريق خاصرة هذا الطرف أو ذاك ، والناس تنشد الخدمات أسوة ببقية عباد الله في أرض الله.
ومع استمرار هذه اللعبة السمجة ، تشكلت خارطة سياسية جديدة ، تحمل طرفين من النزاع ، الأول : فريق الشعارات الذي تحول الى رؤوس أموال ضخمة ، وعقارات ، وشركات ، ومستودعات للثراء الفاحش ، والثاني : ملايين الفقراء والمرضى والجائعين ، والمصابين بكل أمراض الخيبة والإحباط والهزيمة والاذلال .
عقلاء القوم يؤمنون إيمانا لا يقترب إليه الشك بأن الحياة لا تستقيم إلا بالمنهج الصحيح والإدارة السليمة ، وفقهاء الفقراء يدركون بعمق أنّ الدنيا لا تتقدم إلا بمنطق العدل والحق ، ومنطق الخير والصواب لا يتحقق إلا بخلق الحياة الكريمة للشعب ، وما زالت المسيرة قائمة بين اصحاب الشعارات وبين الفقراء الذي اكتشفوا زيف هذه الشعارات .
إلى اللقاء...