رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
من الثمانينيات إلى اليوم ماذا تقول رباعية Beverly Hills Cop عن الكوميديا ؟


المشاهدات 1047
تاريخ الإضافة 2025/12/30 - 9:06 PM
آخر تحديث 2026/01/01 - 12:06 AM

عندما صدر الجزء الأول من Beverly Hills Cop عام 1984، لم يكن يُنظر إليه بوصفه مشروع سلسلة طويلة، بل فيلم شرطة كوميدي يعتمد على مفارقة بسيطة وفعّالة: شرطي قادم من ديترويت الخشنة يُلقى فجأة في عالم بيفرلي هيلز اللامع، حيث القوانين مختلفة، والطبقات الاجتماعية متباعدة، والضحك يولد من هذا التصادم المستمر. هذه المفارقة، أكثر من الحبكة نفسها، كانت الشرارة التي صنعت نجاح الفيلم وأدخلته سريعًا إلى الذاكرة الشعبية. شخصية اكسل فولي لم تكن بطلًا تقليديًا في أفلام الشرطة. لم يعتمد على القوة الجسدية ولا على الانضباط الصارم، بل على السخرية والارتجال وسرعة البديهة. أكسل لا يفرض نفسه على المكان، بل يربكه، ويحوّل اختلافه إلى أداة ضغط وضحك في آن واحد. هنا وُلدت هوية السلسلة: كوميديا تنبع من الشخصية نفسها، من طريقة حديثها، وحضورها، وقدرتها على قلب المواقف، لا من النكتة المباشرة أو الحدث وحده.
 الجزء الثاني (1987) حافظ على هذه الهوية، لكنه اختار توسيعها. حركة أكثر، صخب أعلى، ووتيرة أسرع. عاد أكسل فولي إلى بيفرلي هيلز وهو أكثر ثقة بنفسه، وأكثر وعيًا بقدرته على العبث بالنظام من داخله. ورغم أن الفيلم لم يقدّم تطوّرًا جوهريًا في البناء، فإنه ظل محبوبًا لأنه لم يخن روح السلسلة، بل ضخّم عناصرها الأساسية. غير أن هذا التضخيم كشف مبكرًا خطر التكرار، حين تصبح الكوميديا إعادة إنتاج محسوبة بدل أن تكون امتدادًا طبيعيًا.
أما الجزء الثالث (1994)، فكان نقطة التحوّل السلبية. لم يكن الإخفاق فنيًا فحسب، بل زمنيًا أيضًا. الكوميديا التي نجحت في الثمانينات بدت فجأة أقل فاعلية في مناخ سينمائي تغيّر ذوقه وإيقاعه. أكسل فولي بدا وكأنه يؤدّي نسخة قديمة من نفسه داخل عالم لم يعد يتفاعل معها بنفس الحماس. الشخصيات الثانوية فقدت حضورها، والمفارقة الأساسية خفّ بريقها، فبدا الفيلم وكأنه يلاحق نجاحًا سابقًا بدل أن يصنع لحظة جديدة.
بعد هذا التراجع، توقّفت السلسلة طويلًا. لم يكن التوقف نتيجة نسيان، بل نتيجة إدراك ضمني بأن العودة دون مبرّر فني حقيقي قد تكون مجازفة. ثلاثون عامًا مرّت قبل أن يظهر الجزء الرابع (2024)، في سياق سينمائي مختلف تمامًا. السينما تغيّرت، الجمهور تغيّر، وحتى (إيدي مورفي) نفسه تغيّر. الفيلم الجديد لا يحاول إنكار هذا التحوّل، بل يتعامل معه باعتباره جزءًا من الحكاية. أكسل فولي في عودته ليس الشرطي الشاب المندفع، بل شخصية تحمل تاريخًا وتجربة، وتتحرّك بوعي أكبر بحدودها. الكوميديا هنا أقل اندفاعًا، وأكثر اعتمادًا على المفارقة الزمنية: بطل من الثمانينات يتحرّك في عالم معاصر، محاولًا أن يجد موقعه دون أن يفقد روحه. هذه العودة لا تهدف إلى التفوّق على الماضي، بل إلى الحوار معه. bقيمة رباعية Beverly Hills Cop لا تكمن في تماسكها الفني الكامل، بل في كونها مرآة لتحوّلات الكوميديا الأمريكية عبر أربعة عقود. من كوميديا تعتمد على الشخصية والسخرية الارتجالية، إلى سينما باتت أكثر وعيًا بالحنين إلى الماضي والذاكرة الجماعية. الضحك هنا لم يعد مرتبطًا بالنكتة وحدها، بل باستدعاء إحساس قديم، وبالعودة إلى زمن كانت فيه الشخصية أهم من الحبكة.
ما بقي حيًا في هذه السلسلة ليس القصص ولا الأشرار، بل أكسل فولي نفسه. نجا لأنه لم يكن بطلًا خارقًا، بل شخصية مرنة، قابلة للتكيّف. لا ينتصر بالقوة، بل بقراءة المكان، وبالقدرة على تحويل الاختلاف إلى أداة سردية.
في النهاية، لا يمكن النظر إلى Beverly Hills Cop كسلسلة بلا عيوب، بل كسجلّ زمني يمتدّ على أربعة عقود. أربعة أفلام، أربعة أزمنة، وشخصية واحدة تحاول في كل مرة أن تجد مكانها في عالم يتغيّر باستمرار. وربما هنا تكمن قيمة الرباعية الحقيقية: ليست في الكمال، بل في الاستمرارية، وفي قدرتها على البقاء حيّة داخل الذاكرة السينمائية، حتى حين يتغيّر كل شيء من حولها.
 


تابعنا على
تصميم وتطوير