رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
زواج يطلب فرصة أخيرة


المشاهدات 1046
تاريخ الإضافة 2025/12/30 - 9:06 PM
آخر تحديث 2026/01/01 - 12:06 AM

في السنوات الأخيرة، بدا واضحًا أن الكوميديا المصرية لم تعد تكتفي بإضحاك المتفرّج، بل تحاول – بوعي أو بحدس – أن تلامس مناطق أكثر حساسية في الحياة اليومية. فيلم (طلقني) يأتي ضمن هذا السياق، فيلمٌ يختار واحدة من أكثر القضايا الاجتماعية توترًا: الزواج المتصدّع، لا بوصفه مأساة، بل كساحة اشتباك خفيف الظل بين العاطفة والروتين، وبين الحبّ والرغبة في الهروب.
حكاية طليقين يضطرّهما الظرف للعودة إلى الطاولة نفسها  ولكن كخصمين قديمين لا كزوجين. الفكرة هنا ليست “من يعود إلى من؟” بقدر ما هي: كيف يتغيّر الكلام حين يختفي عقد الزواج وتبقى العِشرة؟ هذا المزاج يضبطه (خالد مرعي) في إخراج يستند إلى موقف ومشاهدة، أكثر من استعجال نكات متتالية. الشخصيات مفهومة: رغبات صغيرة، ضغوط مالية، وكرامة شخصية تتصادم ثم تتفاهم.
يصنّف العمل ككوميديا اجتماعية مدتها نحو 105 دقائق، مع عرض مصري بدأ في 22 ديسمبر 2025، وتوسّع تجاري في سلاسل كبرى ابتداءً من 24 ديسمبر.  
على مستوى الأداءات، يقدم (كريم محمود عبد العزيز) نسخة ناضجة من “الولد الطيب”: حيوية معتادة، لكن مع مسافة خجل واعتذار غير منطوقين. (دينا الشربيني) تقابله بشخصية تستعيد توازنها بسرعة؛ حضور عملي يرفض الابتزاز العاطفي، ويترك الباب مواربًا للحنين لا للخضوع. وجود باسم سمرة، ومحمد محمود، وهناء الشوربجي، ومحمود حافظ، ودنيا سامي، يكمّل خريطة العلاقات حول الثنائي: أقارب وزملاء ووسط اجتماعي يعلّق طوال الوقت على ما يجب وما لا يجب. 
(خالد مرعي) يختار بناء مشاهد “مفهومة الموقع”: قبل كل موقف، هناك لقطة قصيرة توضّح أين نقف ومن أين يأتي الضغط ـ مكتب، شباك خدمة، بيت عائلة ـ ثم يترك الحوار يتولّى رفع الإيقاع. الكوميديا تولد من احتكاك الطباع لا من “قفزات” مصطنعة؛ والدراما، حين تظهر، تأتي من قرار صغير يتأخر أو جملة تُقال متأخرة نصف دقيقة. هذا النوع من الصنعة يناسب النصّ: لا عِبر كبيرة ولا تنظير، بل محنة ملموسة تكشف طبقات الشخصيتين في التفاصيل.
إخراجيًا، لا يحاول الفيلم استعراض مهارات بصرية استثنائية، لكنه يقدّم صورة نظيفة وإيقاعًا منضبطًا. الكاميرا تخدم الحوار، والمونتاج يحافظ على خفّة الإيقاع، وهو أمر بالغ الأهمية في هذا النوع من الأعمال؛ إذ أن أي ترهّل زمني كفيل بإضعاف التأثير الكوميدي. الموسيقى التصويرية بدورها تؤدّي وظيفة داعمة، دون أن تفرض نفسها أو تتحوّل إلى عنصر مشتّت.
الجمهور تفاعل سريعًا. خلال أول خمسة أيام، قفز إجمالي الإيرادات إلى ما يقارب ٢٠ الف دولار واحتل المركز الأول في يوم عرضه الخامس بإيراد يومي لافت، مؤشّر واضح على صدى فكرة “بعد الطلاق” حين تُقدَّم بجرعة ضحك معقولة. أرقام المتابعة اليومية وثّقت كذلك بيع ما يقارب 68 ألف تذكرة في هذه الفترة، وهو أداء افتتاحي مطمئن لفيلم عائلي المزاج في موسم مزدحم.  
ما يبقى بعد المشاهدة ليست “رسالة” بقدر ما هي ملاحظة إنسانية: الطلاق لا يمحو كل شيء، والعِشرة القديمة حين تُستدعى تحت ضغط واقع اقتصادي قاسٍ، قد تكشف وجوهًا جديدة في العلاقة—لا بعودة رومانسية مؤكدة، بل بقدرٍ من الاحترام يعاد اكتشافه.
 (طلقني) فيلم قاعة واسعة بالمعنى الجيد: حكاية مفهومة، مزاج خفيف لا يُسقط الجدية حين يأتي وقتها، وتمثيل يضع الوزنة في المكان الصحيح.(طلقني) يراهن على موقف قريب، يقدّم أداءات مُحكَمة، ويُثبت أن الكوميديا حين تُبنى على واقع ملموس، تصل أسرع من أي زينة لفظية.


تابعنا على
تصميم وتطوير