
كشف المتحدث باسم وزارة الداخلية السورية نور الدين البابا، أن الاحتجاجات التي شهدتها عدة محافظات غربية ووسطى كانت نتيجة دعوات انفصالية، مشيراً إلى وقوع اشتباكات أُصيب خلالها عدد من المدنيين وعناصر الأمن.
وشهدت محافظات اللاذقية وطرطوس وحماة وحمص، مظاهرات تطالب بـ”الفيدرالية وحق تقرير المصير”، في استجابة لدعوات غزال غزال، رئيس المجلس العلوي الأعلى في سوريا والخارج، ومقره محافظة اللاذقية.
وأفاد البيان الرسمي بأن قوات الأمن اتخذت إجراءات مشددة خلال المظاهرات، التي شهدت إطلاق هتافات تطالب بالفيدرالية، وشعارات معارضة لحكومة دمشق.وفي مدينة اللاذقية تحديداً، أسفرت الاحتجاجات عن مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة ستين آخرين في اعتداءات نسبت لفلول النظام السابق، استهدفت عناصر الأمن والمدنيين، وفق ما أفاد به البابا لقناة “لإخبارية” السورية الرسمية.وفي وقت سابق، أعلنت وزارة الدفاع دخول وحدات من الجيش مراكز مدينتي اللاذقية وطرطوس بعد تصاعد عمليات الاستهداف من قبل مجموعات خارجة عن القانون، ما يعكس تصعيداً في منطقة الساحل، التي كانت تعتبر معقل كبار ضباط نظام الأسد. وأوضح البابا أن مهمة الجيش في الساحل تتمثل في حفظ الأمن وإعادة الاستقرار بالتعاون الكامل مع قوى الأمن الداخلي.ويأتي هذا التصعيد بعد تفجير مسجد في مدينة حمص الأسبوع الماضي، والذي استهدف عدة مكونات دينية وأسفر عن مقتل ثمانية أشخاص.ووصف البابا الحادث بأنه تم توجيهه للإضرار بالشعب السوري في المنطقة الساحلية، دون تحديد الجهات المسؤولة، في حين دعا غزال غزال أنصاره إلى تنظيم مظاهرات للمطالبة بالفيدرالية السياسية وتوفير حماية دولية، مشبهاً ما حدث بما تعرض له اليهود على يد النازية.وتعكس هذه الأحداث تصاعد التوترات الأمنية والسياسية في الساحل السوري بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024، والذي كان قد ورث الحكم عن والده حافظ الأسد عام 2000.وتشكل المناطق الغربية والوسطى من سوريا، خصوصاً الساحل العلوي، نقاط حساسة بسبب وجود بنية اجتماعية وسياسية معقدة، تجعلها أرضاً خصبة للتحركات الانفصالية والمطالب الفيدرالية، لا سيما في ظل الفراغ الأمني الذي تخلّفه الأحداث الأخيرة.وتشير الاحتجاجات إلى تنامي التوتر بين السكان المحليين الذين يسعون إلى المزيد من الحكم الذاتي، والحكومة السورية الجديدة التي تحاول فرض استقرار وأمن في مناطق كانت معاقل للنظام السابق. وتظهر الأحداث الحاجة إلى معالجة جذور الانقسامات الاجتماعية والسياسية، وتحقيق التوازن بين الردع الأمني والحوار السياسي، لضمان عدم انزلاق البلاد نحو مزيد من الفوضى والانقسام.ودعوات غزال غزال تعكس استمرار تأثير النخب السابقة على الشارع، واستغلالها مشاعر الإحباط من التهميش والخدمات المحدودة في الساحل، ما يزيد من صعوبة تحقيق الاستقرار في هذه المناطق.ويشكل استخدام العنف من قبل فلول النظام السابق واستهداف المدنيين وعناصر الأمن تحدياً كبيراً للحكومة الجديدة، ويزيد من تعقيد مهمة إعادة بناء مؤسسات الدولة وضبط الأمن.
وتتطلب القدرة على السيطرة الميدانية تنسيقاً فعّالاً بين الجيش وقوى الأمن الداخلي، مع مراعاة الحساسية الاجتماعية والسياسية للسكان المحليين، لتجنب تفاقم الاحتجاجات أو الانزلاق نحو صراع واسع.وتكشف الأحداث الأخيرة أيضاً أن الحكومة السورية الجديدة تواجه اختباراً مزدوجاً: من جهة الحفاظ على الوحدة الوطنية ومنع الانقسامات الإقليمية، ومن جهة أخرى التعامل مع إرث النظام السابق، الذي ترك خلفه شبكات نفوذ وأشخاص قادرين على زعزعة الأمن واستغلال التوترات المحلية.
ويستدعي هذا الوضع استراتيجيات أمنية وسياسية متوازنة، تشمل الحوار مع الفاعلين المحليين، مراقبة التحركات الانفصالية، ومكافحة أي تحريض أو عنف من فلول النظام السابق.
وفي الملف السياسي، تشير الاحتجاجات إلى وجود دعوات متزايدة للفيدرالية وحق تقرير المصير، وهو ما يعكس رغبات فئات من المجتمع في إعادة تشكيل السلطة المحلية بعد سنوات طويلة من الهيمنة المركزية للنظام السابق.ويشكل هذا الأمر تحدياً للحكومة السورية الجديدة، التي تحتاج إلى بناء مؤسسات قادرة على إدارة التنوع الاجتماعي والسياسي في مناطق متعددة، مع ضمان سيادة الدولة ووحدة أراضيها