
أثار حديث الكاتبة بلقيس شرارة عن الشاعر العراقي بدر شاكر السياب جدلًا واسعًا، لا بسبب اختلاف الرأي فحسب، بل لطبيعة المقاربة نفسها، التي خرجت عن إطار النقد الأدبي المنهجي إلى مساحة أقرب للسرد الشخصي والانطباعات الذاتية. وهنا يبرز سؤال جوهري: أين يقف النقد، وأين تبدأ الشخصنة؟
في النقد الأدبي الأكاديمي، لا تُقاس التجارب الشعرية الكبرى بملامح أصحابها ولا بتأويلات نفسية غير موثقة، بل تُقاس بمنجزها: النص، اللغة، البنية، التحوّل الفني، والأثر الذي تركته في الذائقة الثقافية. وبدر شاكر السياب، بوصفه أحد أبرز مؤسسي الشعر العربي الحديث وروّاد قصيدة التفعيلة، لا يمكن مقاربته إلا من هذا الباب.
إن اختزال تجربة السياب في توصيفات ذات طابع نفسي أو جسدي لا يضيف معرفة نقدية، ولا يفتح أفقًا لفهم شعره، بقدر ما يُبعد النقاش عن جوهره. فالرجل الذي أعاد صياغة العلاقة بين الشعر والأسطورة، وبين الألم الفردي والهمّ الجمعي، ووسّع أفق الصورة الشعرية العربية، لا يُختزل في سيرة متخيلة أو قراءة انطباعية.
لا يعني ذلك عزل النص عن سياقه الإنساني؛ فالسيرة قد تُستدعى حين تخدم قراءة النص وتضيء دلالاته، لكن ضمن منهج منضبط، لا كأداة لإصدار أحكام قيمية أو إسقاطات لاحقة. الفرق كبير بين قراءة سياقية واعية، وبين تحويل الشاعر إلى موضوع للتشخيص.
السياب اليوم ليس مجرد اسم في ذاكرة الشعر، بل قيمة ثقافية عراقية وعربية تُدرّس وتُناقش في الجامعات، وتُقارن بتجارب الحداثة العالمية. ومن هنا، فإن الحديث عنه يستدعي مسؤولية معرفية وأخلاقية، تميّز بوضوح بين النقد العلمي والرأي الشخصي.
في زمن تتداخل فيه الآراء مع النقد، تبقى الحاجة ملحّة للعودة إلى المنهج، وإلى احترام الرموز الثقافية بوصفها جزءًا من الذاكرة الجمعية، لا مادة للجدل الانطباعي العابر. فالسياب، مهما اختلفت القراءات، أكبر من أن يُقرأ خارج نصّه.