
أعطى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الضوء الأخضر لاستبدال حاملة الطائرات النووية الحالية “شارل ديغول” بحاملة طائرات جديدة من الجيل الجديد ، وذلك في. إطار تحديث المنظومة الدفاعية الفرنسية وكخطوة يرى الملاحظون أنّها قد تعكس تحوّلاً استراتيجيا واضحا في العقيدة الدفاعية الفرنسية . ويدور الجدل في فرنسا حول الجدوى من تصنيع حاملة طائرات ثانية ، أوّلًا لكلفتها الباهظة ، إذْ ستكلّف ميزانية الدولة 10 مليار أورو بالعملة الأوروبية ، ما يقابل 1180 مليار دولار أمريكي ، خصوصا في ضوء الصعوبات الكبرى التي تواجهها الحكومة للإقناع بميزانية العام الجديد ، وثانيا ، لأنّ مثل هذه الأداة الحربية والدفاعية قد لا تكون ملائمة للتطوّرات العسكرية الحالية والمستقبلية.
وأثبتت التطوّرات الميدانية في الحرب الروسية الأوكرانية ظهور نقطة تحوّل كبرى في طبيعة النزاع الحربي من خلال الدور المتعاظم لإستعمال المسيّرات بجميع أنواعها والتي تستخدم الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته المستحدثة ، وهو ما أظهر أنّ العالم مقبل على تغييرات جذرية في طبيعة النزاعات الحربية وقد تدفع باتّجاه تغيير إستراتيجيات الدول في هذا الخصوص . ونُجمع مع الملاحظين أنُ رؤية فرنسا والدول الأوروبية عموما لمنظومة الدفاع لاتزال تقليدية ولم تتأقلم بعد مع المتغيّرات الجديدة في المجالات العسكرية والتقنية ، وأكّدت هذا الإجماع حالة الهلع والخوف والارتباك التي ضربت جلُ الدول الأوروبية نتيجة غياب منظومة دفاعية للتصدّي لحرب المسيّرات في إطار مواجهة شاملة ، يرونها محتملة مع روسيا . ويبدو لذلك ، أنّ السلوك الأوروبي في المجال الحربي والدفاعي هو إنعكاس واضح للسياسة العامّة التي أسّست لنفوذ وسطوة الدول الأوروبية على باقي دول العالم ، وهو ما انفردت به مع الولايات المتّحدة قبل رجوع ترامب إلى البيت الأبيض ، وذلك بفضل خصائص مثّلت على مدى التاريخ نقاط قوّة مكّنتها من اقتسام النفوذ مع أمريكا ، ومنها ، إستعراض القوّة العسكرية والسياسية والاقتصادية وفرض مثالها المجتمعي الذي قوامه الديمقراطية على شعوب الأرض .
ولا يبدو أنّ الدول الأوروبية أفاقت من صدمة زوال واندثار عالم أحادي التوجّه وولادة آخر متعدُد الأقطاب ، وانتقال مراكز النفوذ خارج مناطق النفوذ التقليدية لدول الغرب الليبرالي ، وواصلت بالتالي سياسة العجرفة والتعالي وإعطاء الدروس إلى الآخرين ، ولم تلحظ هذه الدول الأوروبية “تخلّف” الولايات المتّحدة عن قافلة “الوعظ والإرشاد “ وانتهاج طريق آخر لضمان إستمرار سطوتها وهيمنتها على باقي دول العالم .
إنّ العلاقات الدولية في مفترق طرق يتداعى معه القديم تباعا ، ولا مناص من الإعتراف بأنّ كلّ الدول ، سواء كانت صاحبة النفوذ أم مجالا خصبا لممارسته والخضوع له ، ستكون مشمولة بهذا الانتقال والتحوّل الدراماتيكي ، و فقط الدول والمجتمعات التي هي قابلة للتأقلم او التصدّي تكون صاحبة الحلم السعيد والرابحة والبقية هم في كوابيس تعقب أحلام اليقظة .