
شهدت الأعوام القليلة الماضية منحنى مهماً يتعلق بمواقع التواصل الإجتماعي وأثرها الكبير في صناعة القرار السياسي والإقتصادي والرياضي، إذ أصبحت إداة قياس سريعة وفاعلة لرأي الجمهور ولسان حال المشاهد عبر القنوات الفضائية، وبسبب ما تفرضه من ضغوط وتدخّل من خلف الكواليس في اتخاذ قرارات مصيرية أصبحت صداعاً، ومع تزايد أهمية التواصل الاجتماعي في حياتنا اليومية، بدأ دورها المؤثر من الناحيتين الإيجابية والسلبية واضحاً في الساحة الرياضية عبر حملات التشجيع والمساندة لفرقنا ومنتخباتنا الوطنية لكن بعضها بدأ يخرج عن النص ويسلك طريقاً خاطئاً عبر حملات موجهة تستهدف الإساءة إلى بعض الأشخاص ونشر آراء مصحوبة بعبارات الاستهزاء والسخرية والتجريح، لا سيما أن أغلب الشباب الذين يمثلون أكثر من نصف المجتمع مهتمون بها، ونتيجة لتزايد قوتها وتأثيرها فإن الجمهور بدأ يشعر أنه شريك فى صنع القرار ورأيه أصبح مهماً، بل ومشاركاً في كل ما يتعلق بالشأن الرياضي، سيما أن الظرف الراهن المؤطر بالفوضى أجبر المسؤول وصاحب القرار بكل آسف على الإنصات لصوت وفلسفة هذه المواقع والفيس بوك تحديداً، فإنتشرت وبشكل كبير صفحات عدة الوهمية بضمنها أثرت في الرأي العام وصنعت القرار الرياضي بعض الأحيان، وتأثرت الرياضة العراقية وكرة القدم بالأخص كونها اللعبة الأكثر حظوة ومتابعة جماهيرية، بفعل الأخذ بردود الأفعال والفعل عبر هذه المواقع والصفحات، التي أصبحت مسرحاً لنشر أخبار كاذبة تثير الرأي العام وتحدث بلبلة، وتارة آخرى مكاناً للهجوم على أشخاص أو مؤسسات بعينها سعياً لتحقيق غايات شخصية، ويجب التعامل معها على أساس أنها إفتراضية لا أكثر، لكن ماذا نفعل لمسؤولين أغلبهم ينساقون خلفها، أيديهم ترتعش ولا يمتلكون الثقة في أنفسهم على قيادة مؤسساتهم، في وقت يتعين عليهم تتبع الصفحات التي تتضمن كذباً لتثير الرأي العام وتحدث بلبلة ومعرفة من يقف وراءها ومحاكمتهم للحد من تلك الظاهرة، فبعضهم يخرج عن النص أحياناً ويصل إلى مستوى الجريمة الالكترونية التي يعاقب عليها القانون.
إن مواقع التواصل الاجتماعي وعلى الرغم من قناعتنا بتأثيرها السلبي الكبير على صناعة القرار في جميع الأوساط وليس الرياضي حسب، فيها كثير من الآراء الإيجابية و الهامة عبر رؤى وأفكار ناضجة، لكن لم تُستثمر بشكل إيجابي وأصبحت هدامة، لأن الأغلب الذي يتعاطى معها هو من الفئات العمرية الصغيرة، ومن المؤسف أن يكون لهم رأي مؤثر في صناعة القرار داخل بعض المؤسسات، وفي كثير من الأحيان يجبرون المسؤول على التراجع عن قرار أو اتخاذ آخر بسبب النقاشات القائمة هناك، والتي تؤثر بشكل كبير على الرأي العام. ما يعني أنها أداة خطيرة وسلاح ذو حدين فضلاً عن كونها وسيلة مهمة جداً، وتعبر عن آراء جماهير عريضة ويضعها بعض المسؤولين الذين أشرنا إليهم على قائمة أولوياتهم، لذا لابد أن تخضع للرقابة والتقييم لعدم إستغلالها لأغراض تسيء إلى الصالح العام.
وفي خضم الإثارة التي تعج بها وسائل الإعلام الرياضية، فإن بعض المسؤولين فقدوا قدرتهم على التعاطي مع ما يثار فيها سيما ما يتعلق بهم، الأمر الذي أثر كثيراً في القرارات التي يتخذونها، وتحول الإعلام الرياضي أيضاً إلى ما يمكن تسميته بما يطلبه الجمهور، في ظل إعتماده على مواقع التواصل الاجتماعي ومتابعة آراء الجماهير من خلالها، فأصبح صدى صوتهم أكبر وأكثر تأثيراً من السابق، وخير شاهد لما نتحدث عنه قرار إقالة راضي شنيشل من تدريب المنتخب الوطني عقب النقد الكبير الذي تعرض له عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي على الرغم من تأكيدات إتحاد الكرة بإستمراره عطفاً على العقد المُبرم بين الطرفين، ولا ننسى أيضاً أن التعاقد معه تم بنفس الطريقة تقريباً، اي الضغط الجماهيري والإعلامي كونه الأفضل من وجهة نظرهما.
إن وجود هذا الفضاء من الحرية أسهم في تحول نوعي طرأ على إستخدام مواقع التواصل الإجتماعي من كونها أداة للترفيه والتواصل إلى أداة للتنظير، ثم إلى وسيلة فعّالة لنقل الحدث، ومصدراً أولياً لوسائل الإعلام، فأصبحنا بفضل هذه الثورة أمام إعلام جديد لا يحتاج إلى أي رأسمال، كل رأسمالك هو هاتفك النقال وكاميرا وحاسوبك الشخصي، ونشير هنا بأن الإستماع إلى حديث الجماهير ليس عيباً، إلا أن الخطأ يكمن في تحويله إلى محرك أساسي لإتخاذ قرار ما، لا سيما أن الجمهور متعدد الشرائح من ناحية الفئات العمرية والثقافات، ويمكننا القول أن الإثارة الحالية التي تشهدها وسائل الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي الرياضية غير منطقية، وينبغي إشراك الجماهير في القضايا الرياضية من خلال إبداء آرائهم وإتخاذ القرارات بنسبة ضئيلة على وفق معايير وأسس، سيما وأنهم عاطفيون في أغلب حالاتهم، ما يحتم على الإعلام الرياضي ضرورة إمساك العصا من المنتصف وعدم الإنجراف وراء الأحاديث العاطفية في الوسط الرياضي.