
كان خِتان الأولاد في العراق، ولا سيما حتى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، حدثًا اجتماعيًا يتجاوز كونه إجراءً صحيًا أو دينيًا، ليغدو طقسًا شعبيًا راسخًا في الذاكرة الجماعية، تختلط فيه مشاعر الخوف بفرح العائلة واحتفال المحلة.
في البيوت العراقية القديمة، كان موعد الختان يُحدَّد بعناية، وغالبًا ما يُفضَّل فصل الربيع أو الصيف، حيث يسهل شفاء الطفل. لم تكن المستشفيات أو العيادات الخيار الأول، بل كان “المطهِّر” أو “الحلاق” الشعبي هو من يتولى المهمة، رجل معروف في الحي بخبرته وجرأته، يحمل حقيبة صغيرة تضم أدوات بسيطة: موس حلاقة، قطن، كحول، وأحيانًا رماد أو مسحوق أعشاب يُعتقد أنه يساعد على التئام الجرح.
يوم الختان كان يومًا استثنائيًا. يُلبس الطفل ملابس جديدة، غالبًا دشداشة بيضاء أو ملابس مزركشة، وتُزيَّن يداه بالحناء أحيانًا، وتُعلَّق على صدره عملات معدنية أو خرز أزرق اتقاءً للحسد. تتجمع نساء العائلة في الغرفة المجاورة، تسبقهن الزغاريد والدعوات، بينما يحاول الصغار في الحي التلصص بدافع الفضول.
لحظة الختان نفسها كانت قاسية في ذاكرة كثيرين؛ صراخ الطفل، تشبثه بيد أمه أو أبيه، ومحاولات الكبار تهدئته بوعود الحلوى والهدايا. وبعد انتهاء الأمر، تبدأ طقوس “التجبير” الشعبي، ويُمنع الطفل من الحركة، ويُدلَّل بشكل لافت، إذ يتحول إلى “بطل صغير” نجا من اختبار الرجولة الأول.
الاحتفال لم يكن يكتمل دون وليمة بسيطة: صينية رز ولحم، أو دولمة، أو على الأقل صحن حلوى يُوزع على الجيران. وكان الأقارب يقدمون “النقوط” — مبالغ رمزية من المال — تُجمع للطفل، وتبقى جزءًا من ذاكرته حين يكبر، تُروى له القصة مرارًا وكأنها شهادة عبور إلى عالم الرجال.
في القرى والأرياف، اتخذ الختان طابعًا جماعيًا أحيانًا، حيث يُختن أكثر من طفل في اليوم نفسه، ويتحول الحدث إلى مهرجان صغير، تُنصب فيه السرادقات وتُقرع الطبول الشعبية، خصوصًا في المناسبات الدينية.
مع تطور الطب وانتشار الوعي الصحي، انتقل الختان إلى المستشفيات والعيادات، وتراجعت تلك الطقوس الشعبية شيئًا فشيئًا. لكن ذاكرة خِتان الأولاد قديمًا بقيت حيّة في الحكايات، تختزن ملامح مجتمع بسيط، متضامن، يرى في هذا الطقس مناسبة للفرح الجماعي، مهما كانت قسوته على الطفل، ومهما تغيّر الزمن.