
في كرة القدم الحديثة، لم تعد الهوية الكروية دائمًا مسألة محسومة منذ الطفولة. لاعب يولد في بلد، ينشأ في بلد آخر، ويحمل جنسية ثالثة، ثم يجد نفسه أمام سؤال معقد: لأي منتخب سيلعب؟ هنا تتدخل لوائح الفيفا لتضع إطارًا قانونيًا دقيقًا ينظم تغيير الاتحاد الكروي، بعيدًا عن العاطفة والضغوط الإعلامية.
الفيفا، عبر المادة (9) من لائحة تطبيق أوضاع وانتقالات اللاعبين، سمحت للاعب بتغيير اتحاده الكروي مرة واحدة فقط، بشروط واضحة. أبرز هذه الشروط أن يكون اللاعب قد شارك سابقًا في مباريات دولية رسمية مع منتخب فئة عمرية، دون أن يشارك في أي مباراة رسمية مع المنتخب الأول. هذا التفصيل وحده أسقط أحلام كثير من اللاعبين الذين ظنوا أن الباب سيبقى مفتوحًا إلى الأبد.
الهدف من هذه القاعدة ليس التضييق، بل منع الفوضى الدولية. تخيّل لو كان بإمكان لاعب أن يغيّر المنتخب كلما تغيرت مصلحته أو مدربه. عندها ستتحول المنتخبات إلى سوق انتقالات مفتوح، وتفقد المسابقات الدولية معناها التنافسي والوطني. لذلك وضعت الفيفا سقفًا قانونيًا واضحًا، يوازن بين حق اللاعب في الاختيار، وحق الاتحادات في الاستقرار.
في الواقع، كثير من الإشكالات تنشأ بسبب سوء الفهم أو التسرع. لاعب يشارك دقائق قليلة مع منتخب الشباب، دون أن يُشرح له الأثر القانوني لهذه المشاركة، ثم يكتشف بعد سنوات أنه أغلق بابًا كان يظنه مفتوحًا. وهنا تقع المسؤولية على عاتق الاتحادات والأجهزة الإدارية، التي يفترض أن توعّي اللاعب قبل استدعائه، لا بعد فوات الأوان.
كما أن بعض الاتحادات تحاول الالتفاف على اللوائح عبر تسجيل اللاعب في مباريات ودية، ظنًا أن ذلك يمنحه “ربطًا قانونيًا”، بينما الحقيقة أن الفيفا لا تعترف إلا بالمباريات الرسمية المعتمدة. هذا الخلط أدى إلى ملفات نزاع طويلة، وخسائر قانونية كان يمكن تفاديها بقليل من المعرفة والشفافية.
اللافت أن الفيفا شددت مؤخرًا على مراجعة طلبات تغيير الاتحاد بدقة أكبر، خاصة مع تزايد حالات اللاعبين مزدوجي الجنسية. لم يعد الأمر مجرد استمارة تُملأ، بل ملف قانوني يُراجع سطرًا سطرًا، حفاظًا على نزاهة المنافسات الدولية.
خاتمة
تغيير الاتحاد الكروي ليس خيانة ولا صفقة، بل قرار مصيري في مسيرة اللاعب. لكنه قرار لا يُتخذ بالعاطفة، ولا يُدار بالعشوائية. في «مرمى اللائحة»، تبقى القاعدة واضحة: من لا يفهم القانون قبل أن يختار قميصه، قد يجد نفسه خارج الملعب… لا لاعبًا في أي منتخب.