
إنتظرنا المطر هذا العام طويلا مثل كل عام في مثل هذا الموسم من السنة. الفعاليات الدينية عملت صلوات إستسقاء، الفعاليات الاجتماعية تدعو ليل نهار. لأول مرة يتوحد المؤمنون “حوك” مع المؤمنين “نص ردن” بل حتى مع العلمانيين الذين ضاقت بهم السبل حين فشلوا في حلول الأرض فرفعوا أكفهم الى السماء. إستجابت السماء مرتين لنا حتى الآن. قبل فترة هطل المطر مدراراً فكانت فرصة ثمينة لوزارة الموارد المائية لكي تبشرنا بأن مناسيب المياه في الأنهر قد زادت. صحيح أن الخبراء المعنيين خذلوا الوزارة عندما أكدوا أن كل تلك الكميات التي هطلت من المطر لم تزد مخزوننا المائي سوى 2 % لكن سرعان ما تكثفت الغيوم بعد أن ظل خبراء الأنواء الجوية يلعبون على أعصابنا عدة أيام بأن المطر القادم هذه المرة سوف يكون على مستوى السيول مما يؤشر حصول فيضانات.
إنتظرنا بضعة أيام أخرى ولم تهطل قطرة مطر واحدة حتى جاءنا الغيث بالفعل، وإذا بخزيننا المائي يرتفع هذه المرة بنسبة جيدة كما قالت بيانات وزارة الموارد المائية ربما بما يزيد هذه المرة عن الـ 7 %. لكن في موازاة ارتفاع الخزين المائي في السدود والأنهار فإن الوزارة مازالت تتوسل السماء بأن تزيد من نسبة سقوط الأمطار حتى نكتفي من “الرية” الشتوية للمحاصيل الزراعية وندخر للصيف القادم كمية من الماء قادرة على أن تعبرنا أشهر الصيف القاسية في ظل مباحثاتنا التي هي بين بين مع جارتنا تركيا التي بدأت تبكي هي الأخرى “بباب العباس” نتيجة نقص الأمطار التي بات يؤثر على مخزوناتها من المياه هي أيضًا.
إذن من الناحية العملية ما زلنا بحاجة الى المزيد من الأمطار لكي نروي ونرتوي ونخزن. هذا ما تقوله وزارة الموارد المائية مشكورة التي هي في الواقع أكثر الفرحين بهذه الهبة السماوية لأنها سوف تواجه الصيف بخزين معقول يقيها شر الكلام والنقد والتصريحات. لكن هل يستقيم طلبنا من الباري -عز وجل- أن ينزل علينا الغيث مدرارا بينما غرقنا عند أول مطرة قوية؟. بل وصل غرقنا الى مرحلة الفيضان التي أدت الى حصول خسائر في الأرواح والمعدات. ماذا يعني ذلك؟ يعني من الناحية الواقعية إننا ليس لدينا بنى تحتية قادرة على التعامل مع الكميات الزائدة من المياه بحيث نحولها الى خزين ثابت نستفيد منه ساعة العسرة. فالمياه التي تتسبب بها الأمطار هي بين إثنين لا ثالث لهما، إما تذهب مباشرة الى شط العرب عبر نهري دجلة والفرات وروافدهما وهو ما يعني خسارة مياه نحن في أمس الحاجة اليها، أو تتسبب في فيضانات تنتج خسائر كبيرة يمكن درؤها بالمزيد من البنى التحتية بدءًا من تحصين السدود الحالية الى بناء سدود جديدة الى إجراءات أخرى بحيث تجعلنا نستفيد من أية قطرة مطر لا أطنان من الغيوم المحملة بالمزيد من الغيث الذي يذهب هدرًا من دون أية فائدة في وقت بات العالم على حافة الجفاف والتصحر، ونحن منه ومعه.