رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
«اقتصاد التجاوز » يد خفية تهدد مستقبل العراق المائي والسياسي


المشاهدات 1413
تاريخ الإضافة 2025/12/15 - 10:01 PM
آخر تحديث 2025/12/21 - 5:13 PM

لا يقتصر التحدي المائي والبيئي في العراق على شح المياه القادمة من دول المنبع أو ظاهرة التغير المناخي، بل يتفاقم بشكل حاد بفعل داخلي يُعرف بـ «اقتصاد التجاوز». هذا المصطلح يصف شبكة معقدة من المصالح غير المشروعة المرتبطة بالمتنفذين، والتي تستغل الثغرات القانونية والضعف المؤسسي للسيطرة على الأراضي الزراعية والممتلكات العامة، وخاصة احوض الأنهر والسدود والوديان، مما يُعرض البنية التحتية والمدن والقصبات لخطر الفيضان والسيول والكوارث البيئية. ويعمل «اقتصاد التجاوز» وفق آليات منظمة لتحويل الأصول العامة إلى أرباح خاصة، على حساب المصلحة الوطنية منها استغلال النفوذ لشرعنة المخالفات ويبدأ التجاوز بالسيطرة غير القانونية على مساحات شاسعة من شواطئ  ومحرمات الأنهر (المحمية قانوناً بموجب خط التهذيب أو مسافة الـ 150 متراً)، ثم يتم استخدام النفوذ السياسي أو المالي للحصول على موافقات إدارية لاحقة. هذه الموافقات «تُشرعن» المخالفة، محولة التجاوز إلى استثمار قانوني ظاهرياً (كمشاريع سياحية أو مجمعات سكنية). والتلاعب بالبيانات الفنيةمن خلال الضغط على الدوائر الفنية (كدوائر الري والبلديات) لتغيير التصاميم الهيدروليكية أو غض النظر عن تطبيق المواصفات القياسية. فعلى سبيل المثال، يقلص المتجاوزون عرض مقطع النهر داخل المدن (كما حدث في بغداد والكوت) لبناء منشآتهم، مما يقلل من قدرته على تمرير المياه الفيضانية. وإهمال الصيانة وتراكم الترسبات وتستفيد هذه الشبكات من الإهمال المتعمد لأعمال الكري والصيانة السنوية للسدود، حيث أن بقاء الترسبات في مقطع النهر يجعله أكثر هشاشة ويُبرر لاحقاً مشاريع حماية أو معالجة تُدر أرباحاً جديدة على المتنفذين أنفسهم. إن التكلفة الحقيقية لـ «اقتصاد التجاوز» لا تُقاس بالأموال المنهوبة، بل بتهديد حياة الملايين من المواطنين فمثلا بغداد العاصمة في خطربسبب التعدي على محرمات مقطع دجلة في بغداد وأصبح يمرر 1500 م3 في الثانية فقط بدلاً من التصميمية المفترضة، بسبب مشاريع المتنفذين السياحية على محرمات النهر. تقليص المقطع العرضي للنهر والسدود يقلل من قدرته الاستيعابية. عند حدوث موجة فيضان، حتى وإن كانت أقل من فيضان 1988، فإنها ستجد مقطعاً ضيقاً، مما يرفع منسوب المياه ويؤدي إلى كسرات كارثية في مجرى النهر. مما يضاعف خطر الفيضان التجاوزات تُفقد مفاهيم هندسة الأنهار مثل «خط التهذيب» قيمتها العملية، وتحولها إلى حبر على ورق، مما يدمر المرجعية الفنية التي تحمي الأنهار بسبب اندثار معالم خط التهذيب الذي تم وضعه بعد فيضان 1988، ووصول التجاوزات إلى «لب النهر». عندما تُستغل قنوات الري ومشاريع التخفيف الفيضاني (مثل مهرب الجهاد الفيضاني) لصالح «الإقطاع المائي» وتتحول عملياً إلى مشاريع ري خاصة، فإنها تفقد وظيفتها الأصلية وتضيع جهود الدولة. تحول مشاريع حماية مدينة الكوت إلى مشاريع ري يسيطر عليها متنفذوناما استراتيجية المواجهة والتحصين فيكون بتفكيك «اقتصاد التجاوز» الذي يتطلب قراراً سياسياً حازماً مصحوباً بإصلاحات فنية وقانونية جذرية برفع التجاوزات والإزالة الفورية والبدء بحملة وطنية ذات دعم أمني وسياسي غير مشروط لإزالة جميع التجاوزات المقامة داخل حدود خط التهذيب الجديد، وخاصة تلك التي تهدد المدن الكبرى (بغداد، الكوت). وتحصين المرجعيات الفنية من خلال تفعيل المرحلة الثانية من خطة «خط التهذيب» المتمثلة في إصدار تشريع جديد يُجرم التجاوز ويعطي الأولوية المطلقة لـ «خط التهذيب» كمرجع تخطيطي وعقاري. مع ربط خرائط خط التهذيب رقمياً بالمرجعيات العقارية الرسمية لمنع منح سندات أو تراخيص مخالفة. وضرورة تفعيل المساءلة الجنائية بتفعيل دور لجان مكافحة الفساد بملاحقة ليس فقط المتجاوزين، بل أيضاً الموظفين والمسؤولين في دوائر الري والبلديات الذين منحوا تراخيص شرعنت المخالفات.
إن مستقبل العراق المائي لا يمكن أن يكون آمناً ومزدهراً طالما ظلت إدارة المياه تعيش حالة من «السكون الادراي والقانوني المؤسسي»، وتكتفي بمقاضاة صغار المزارعين، بدلاً من مجابهة من المتنفذين المتجاوزين على سلامة المدن مقابل الربح غير المشروع.
 


تابعنا على
تصميم وتطوير