
لا أدري من أين جاءت منظمة (مراسلون بلا حدود) بالإحصائيات المتعلقة بعدد الصحافيين الذين لقوا حتفهم خلال الفترة الفاصلة ما بين الأول من شهر كانون الأول من سنة 2024 والأول من شهر كانون الثاني من سنة 2025؟ والتي ادعت فيها أن عددهم لم يتجاوز 67 قتيلا في العالم، وردت أسباب ذلك إلى “ ارتفاع الممارسات الإجرامية للقوات المسلحة، نظامية كانت أو غير نظامية، وعصابات الجريمة المنظمة “، يعلم القاصي والداني أن قوات الاحتلال الإسرائيلي قتلت خلال السنة الماضية أكثر من 120 صحافيا فلسطينيا وقتلت أكثر من 230 صحافيا خلال سنتين في قطاع غزة في إطار استهداف مباشر طالهم في بيوتهم وتحت الخيام وفي الطرق والأزقة. وهي الإحصائيات التي أكدتها نقابة الصحافيين الفلسطينيين والاتحاد الدولي للصحافيين الذي يضم في عضويته 156 تنظيما نقابيا منتشرا في مختلف مناطق العالم، وتم الكشف عن هويات القتلى وصورهم وتفاصيل استهدافهم، لكن (مراسلون بلا حدود) لم تعلم إلا بقتل 67 صحافيا في العالم قالت إن “ نصفهم تقريبا في قطاع غزة “ بمعنى أنها رصدت قتل أقل من 29 صحافيا فلسطيني في غزة، كما جاء في تصريح أدلت به المديرة التحريرية للمنظمة تعليقا على نشر التقرير.. لا بد من الانتباه إلى تفصيلة مهمة جاءت في تقرير منظمة( مراسلون بلاحدود ) الذي تضمن هذه الإحصائيات المشبوهة ،حينما كشفت أن استهداف الصحافيين تم “ خلال تأدية مهامهم “، بما يعني أن الرصد الذي قامت به المنظمة في عملية قتل الصحافيين شمل الصحافيين أثناء تأديتهم لمهامهم المهنية .بمعنى أن المنظمة المذكورة ليست معنية في العمل الذي تقوم به فيما يتعلق برصد استهداف الصحافيين إلا بالصحافيين الذين يتعرضون للاعتداءات التي تصل حد القتل أثناء قيامهم بعلمهم الميداني، وهو نفس التفسير الذي تضمنه تقرير سابق عن منظمة (هيومان ووتش روس) الأمريكية . أما الصحافيون الذين يتعرضون للاعتداءات والمضايقات خارج هذا الإطار فإنهم يتحولون في هذه الحالة إلى أشخاص آخرين يتحملون مسؤولية استهدافهم، وإن وصل الأمر حد القتل، لأنهم لم يحترموا مواقيت العمل.. هذا الالتفاف الخبيث يحدد للصحافيين مواقيت عمل معينة لا يمكنهم تجاوزها، وأنهم بذلك موظفون في ادارات عمومية أو أجراء في وحدات إنتاجية أو صناعية أو خدماتية خاضعين لمواقيت عمل إدارية محددة يبصمون على الدخول والخروج من مقرات عملهم، وأن الأحداث التي يفرض عليهم واجبهم المهني تغطيتها من حروب نزاعات وكوارث طبيعية وحوادث متفرقة يجب أن تخضع في حدوثها ونشوبها إلى توقيت إداري معلوم بدايته ونهايته، وأن الصحافيين في هذه الحالة يجب أن يعلموا بمواعيد وقوع هذه الأحداث بصفة مبكرة ليتمكنوا من برمجة تغطيتها، ولا قدر الله إن حدثت خارج هذه المواعيد المحددة سلفا، فإنها تحرم نفسها من أن تكون مشمولة باهتمامات وسائل الإعلام، وأن الرأي العام الدولي غير معني بها لأنها لم تحترم هذا التوقيت.. طبعا إنه شكل من أشكال التعتيم على جرائم استهداف الصحافيين خصوصا في فلسطي،ن لأن مقترف الجرائم في هذه الحالة هي قوات الاحتلال الإسرائيلي، وفي هذه الحالة لا بد من أن تتحول التقارير وعمليات الرصد إلى أدوات للتخفيف من حجم وخطورة الجرائم المقترفة، وتبييض الأيادي الملطخة بدماء الشهداء من الصحافيين ومن الأطفال والنساء.. والواضح أن هذا الجهد المضني الذي تبذله بعض منظمات الرصد الحقوقي الغربية يتناغم ويتلاءم وينسجم تماماً مع السياسات الخارجية للدول، والجهات التي تتكلف بتمويل أنشطتها، ولذلك: إذا ظهر السبب بطل العجب.