
مثلما للعبة كرة القدم خطط دفاعية وهجومية يلجأ إلى استخدامها المدربون وفقًا لرؤية تختلف من مباراة لأخرى وبطولات تختلف في حسابات التعامل معها حسب ظروف كل بطولة ومراحلها، فإن إعلامنا الرياضي بمختلف تخصصاته وإتجاهاته لابد له من إتباع نفس هذه المنهجية في تعاطيه مع مشاركات منتخباتنا وأنديتنا، وعليه أن يعي جيدًا متى تقتضي المصلحة العامة إستخدام أسلوب الدفاع ومتى يلجأ إلى الهجوم عبر آراء نقدية هادفة وبناءة حتى إن كانت لاذعة في بعض الأحيان.. فإذا كان البعض من النقاد والمحللين يوجه نقده لمدرب لأنه لم يحسن التعامل مع ظروف الإعداد لبطولة والتصرف في مباراة، أو لإدارة الإتحاد لأنها لم توفر مقومات النجاح لأي منتخب كان، أو لاعب لم يُحسن التصرف مع الفريق المنافس داخل مباراة، على الرغم من الأدوات المتوافرة لديه التي تقوده إلى النجاح سواء في النتيجة بالنسبة للمدرب أم التخطيط السليم بالنسبة للإتحاد أو المقومات المهارية بالنسبة للاعب، فإن هذا البعض من النقاد والمحللين مع إحترامنا لهم ولمكانتهم، يقعون في خطأ الإفتقار للأبجديات الأولى في أسلوب الطرح أثناء كتاباتهم أو أحاديثهم في مختلف القنوات الفضائية والاستوديوهات التحليلية عن المنتخب أو النادي، ذلك لأنهم لا يقدرون الظروف التي يمر بها ولا أوجه المنافسة مع المنتخبات الأخرى وحجم وقيمة البطولات المشارك فيها، وغير قادرين على توظيف أدوات النقد المتوفرة لديهم لتحقيق نتيجة إيجابية سواء دفاعاً أم هجوماً، فعندما يمارس احدنا منطق الدفاع من خلال لغة الدعم في مباراة تكون نتيجتها الفوز، ثم الهجوم في مباراة نتيجتها الخسارة فهذا يعني الإبتعاد عن المهنية والموضوعية.
عندما يكبو أي ناد نلتمس له العذر أحياناً إما بسوء حظ أو سوء تحكيم! لكن عندما يكبو المنتخب تجدنا شجعاناً في نقدنا وقاسين جداً، لدرجة أن هناك من يقول إن بعضنا ينتظر هذه الكبوة لجلد المنتخب بسم الوطنية، ونحن لا نزايد على وطنية أحد في هذا الطرح ولا نبرر خطأ أحد بقدر ما نتحدث عن إشكالية هي في الواقع ما تسبب أو سبب في العلاقة المبتورة بين الإعلام وأطراف اللعبة إعتماداً على مبدأ اعتبار نقد أي منتخب وأجهزته الثلاثة (فنية وإدارية وعناصرية) خطاً أحمر!، وهذا خطأ كبير لأن خلق العلاقة بين أي منتخب وما حوله من محبين تحتاج إلى الثقة أولاً، وإلى إعادة صياغة لأكثر من تساؤل ثانياً، فالأقاويل تكثر والتوقعات تتوالى والسؤال المطروح: إلى أي مدى نحن واثقون في منتخبنا؟!
نطرح هذا السؤال في وقت نتأمل فيه إنفراج الأزمة بين الجمهور والإعلام والمنتخب، لأننا أحياناً تأخذنا العاطفة إلى نسف كل شيء بداعي خسارة أو تعادل، وفوز يُوصف بأنه غير مقنع، أما مسألة التجاذبات الحاصلة بين قناعة وقناعة أخرى فهذه لا يمكن أن تعزز مسيرة المنتخب، ولا يمكن أبداً أن تأتي بـ (لبن العصفور) بقدر ما تزيد الهوة إتساعاً، فاليوم وبعد الخروج من الدور ربع النهائي في بطولة كأس العرب عقب الخسارة غير المستحقة أمام المنتخب الأردني، علينا فتح صفحة جديدة أساسها التحاور بين جميع الأطراف خدمة للعبة، وعدم نسيان إخفاقنا في المرحلتين الأولى والثانية من تصفيات كأس العالم وجعلهما درساً للإفادة منه، بالأخص ونحن أمام إستحقاق مهم سيكون الفرصة الأخيرة لنا من أجل التأهل لمونديال 2026، إذ تنتظرنا بعد ثلاثة أشهر من الآن مباراة مفصلية أمام الفائز من مباراة منتخبي بوليفيا وسورينام، بمعنى أن المرحلة تتطلب السير في سفينة واحدة ومركب واحد والمضي قُدمًا لتوزيع المسؤوليات كل حسب دوره، فالذي يريد النجاح عليه وضع خطط إستتراتيجية يطبقها على أرض الواقع.