
في مسيرةٍ تمتد لأكثر من خمسة عقود، يظلّ الفنان ناظم زاهي الشبلي واحدًا من الأصوات المسرحية التي صنعت حضورها بجهدٍ شخصي وإصرارٍ مبكر منذ طفولته الشقية، مرورًا بالمخيمات الكشفية والفعاليات المدرسية، وصولًا إلى خشبات أهم المسارح العراقية التي شهدت بزوغ موهبته. في هذا التحقيق الحواري، نستعرض مع الفنان الشبلي محطات بارزة من حياته الفنية، وتفاصيل اكتشاف موهبته، وذكريات الطفولة، وأهم العروض التي شكّلت منعطفًا في مسيرته، بالإضافة إلى رؤيته للمشهد المسرحي اليوم.
* اهلا وسهلا بك استاذ ناظم زاهي ضيفا عزيزا، وان تسمح لنا بتوجيه عدد من الاسئلة نستعرض من خلالها مسيرتك الفنية الطويلة ؟
ـ اهلا ومرحبا بكم .
* حدّثنا عن طفولتك وبداياتك مع الفن ؟
ـ حقيقة هي طفولة شقية، وكنت حركا ونشطا منذ الابتدائية. كنت رياضيًا ورسّامًا، لكن أخذني الفن من هذه الهوايات بتشجيع الأستاذ علاء العاتي، وكنّا نمثّل بالهواء الطلق ضمن ما كان يُسمّى بالفعاليات الفنية، ومن خلالها أحببت المسرح.
* هل كنت طفلًا مشاكسًا كما يصف البعض؟
ـ فعلاً كنت مشاكسًا… لدرجة إنّي ذات يوم أخبرت أقاربي بوفاة والدي، فجاؤوا للتعزية، واستقبلهم والدي بنفسه!، ولا أشرح لك ماذا جرى معي… فقد تمزق لقميص إربا، والباقي لا أعرف أين ذهب.. فقد أنبني أوضربتي بشدة.
* مَن كان له الفضل الأكبر في اكتشاف موهبتك؟
ـ الفضل الكبير يعود للمرحوم معلّم الفنية علاء العاتي. بعدها عملتُ في فرقة النشاط المدرسي، واشتركت في مهرجانات في البصرة وبغداد وبابل والأنبار والموصل مع المخرجين جمال العيساوي ودخيل العكايشي ويوسف الكلّابي، وحصلت على عدة جوائز، خصوصًا في السبعينيات.
* كنتَ عضوًا في فرقة الكشافة… ماذا تتذكر من تلك المرحلة؟
ـ نعم، كنت عضوًا في فرقة الكشافة وكنا نعيش أيامًا في المخيمات في بابل ونينوى وكربلاء، نمارس الفعاليات الفنية والرياضية. رُشحتُ لمخيم لبنان لكن والدي رفض لصغر سني.
* ومتى كانت أول مرة وقفت فيها على المسرح؟
ـ أول مسرحية كانت في الابتدائية، بعنوان سفرة مدرسية. كان عرضًا لطيفًا عن مجموعة طلاب يسبحون في النهر ويعتقدون أن واحدًا منهم غرق، بينما كل واحد كان ينسى يعدّ نفسه. إلى أن جاء بدوي، وقال لهم: “أنتم ستة… وعددكم ستة… يعني ماكو أحد غارق”. وانفرطت الفرحة بعدها. والمسرحية كانت من إعداد وإخراج المرحوم علاء العاتي.
* بعد مرحلة المتوسطة، كيف تطور نشاطك المسرحي؟
ـ أسسنا فرقة مسرحية وقدمنا أوبريت حامض حلو، وكان موضوعه نقدًا ساخرًا للسلوكيات الاجتماعية.
* هل تتذكر أول جائزة رسمية حصلت عليها؟
ـ نعم، عن مسرحية أيام عصيبة إخراج جمال العيساوي في مهرجان البصرة. حصلت على جائزة أفضل ممثل مناصفة، وكانت لحظة فارقة جعلتني أقرر الاستمرار.
* والدك كان رافضًا للفن… كيف أقنعته؟
ـ صحيح كان رافضًا بشكل قاطع. أكملت الإعدادية، وحصلت على عقد في الفرقة القومية، لكني أخبرته أني أعمل “نجّار قالب” في شركة ببغداد. وبعد أن استلمت أول راتب 800 دينار، أعطيته 400، فاقتنَع وفرح وقال لي: “استمر… بس دير بالك على نفسك”.
* حدثنا عن لحظة إشادة عميد المسرح العراقي حقي الشبلي بك ؟
ـ كانت لحظة ما تتكرر. كنت أمثّل في مسرحية الخورة عام 1985، وبعد فوزي بالجائزة صعد حقي الشبلي ومعه صباح سلمان وقاسم الملاك وطعمة التميمي، وقالوا: “هذا الشاب لازم يبقى ببغداد… طاقة مميزة”. وتم تثبيت عقدي رسميًا في الفرقة القومية.
مسرحيات القومية والنجاح الجماهيري
* ما أول عمل لك مع الفرقة القومية في بغداد؟
ــ كانت مسرحية ناس وناس تأليف عبد الجبار حسن وإخراج فخري العقيدي، على المسرح الوطني، مع نجوم الصف الأول. الضغط الجماهيري كان غير مسبوق لدرجة استبدال زجاج بوابة الدخول عدة مرات.
* وماذا عن أعمالك في النجف؟
ـ أول عمل بعد تأسيس فرقة النجف الوطنية التابعة لدائرة السينما والمسرح كان ملحمة الحب تأليف وجدي العاني وإخراج مهدي سميسم.
* قدمت أيضًا عملًا شهيرًا بعنوان كيف تصبح مليونير؟
ـ نعم، من تأليف علي صبري وإخراج فخري العقيدي. عرضت على مسرح الخيمة الجوال عام 1992 مع نخبة من الفنانين، وكانت من الأعمال المميزة.
* وماذا عن مسرحية تل المهازل؟
ـ كانت من أهم أعمال البيت الثقافي العمالي، من تأليف وإخراج صباح عطوان، واستمر عرضها أشهرًا عدة.
التصنيف الفني والالتزام الأخلاقي
* أي نوع تحب أكثر: الكوميديا أم التراجيديا؟
ـ أنا ميّال للكوميديا الرصينة وكوميديا الموقف، وأكره الأعمال التي تخدش الحياء. أحترم المشاهد ولا أشارك إلا بعمل يُشار له بالبنان.
* تم تصنيفك ممثلًا من الدرجة الأولى… ماذا أضاف ذلك لمسيرتك؟
ـ أضاف مسؤولية كبيرة. صار عليّ أن أختار بحكمة، وأكون قدوة في السلوك والعمل.
من المسرح إلى الإعلام
* كيف دخلت الإعلام والتقديم التلفزيوني؟
ـ عملت مخرجًا ومقدّمًا في قناة النجف الأشرف، ثم في القناة العراقية الفضائية. قدمت برامج وأفلامًا وثائقية مثل وريث الصالحين والمصلح في الأديان وصباح الخير يا عراق.
* وهل أضاف الإعلام شيئًا لموهبتك؟
ـ بالتأكيد.. الإعلام يحتاج ثقافة وثقة ودراسة. كما قدّمت برنامج بغداديات وقمت بالتمثيل والتقديم في برنامج فريق المشاكسات الذي عرفني الجمهور من خلاله سريعًا.
نظرة على المسرح اليوم
* ماذا عن مشاركاتك في المسارح العراقية؟
ـ عملت في جميع المسارح الحكومية والأهلية في بغداد والمحافظات، ولكل مسرح جمهوره.
* ما رأيك بواقع المسرح اليوم؟
ـ للأسف العائلة العراقية ابتعدت عن الأعمال الشعبية، بسبب غياب الأعمال الرصينة. أتمنى عودة المسرح الشعبي ليكون قريبًا من الناس من جديد.
* بمزيد من التقدير نتمنى لك التواصل في العطاء الفني .
ـ شكرا لكم.