
يبدو أن الوصف الذي أطلقه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على السيدة هيلاري كلينتون وزير الخارجية السابقة في الإدارة الأمريكية بأنها “ مخادعة وكاذبة “، لم يكن بعيدا عن الحقيقة. نعم قد يكون ترامب استخدم هذا التعبير في إطار تجاذبات سياسية داخلية قد لا تهمنا كثيرا، لكنه حينما نسقط هذا الوصف عما أدلت به هيلاري كلينتون من تصريحات حول ما يجري في غزة، فإننا نقترب كثيرا من صدقية الوصف .
السيدة هيلاري كلينتون وضعت جميع مواقف وقرارات الهيآت المهنية والقضائية والحقوقية والأممية جانبا، واختارت أن تصرح بما لا يتطابق تماما مع الواقع كما عاينه الرأي العام الدولي. لم تكثرت لما صنفته جميع هذه الجهات باعتبار ما اقترفته قوات الاحتلال الإسرائيلي جرائم حرب وإرهاب وإبادة جماعية وتطهير ضد الشعب الفلسطيني في غزة كما في الضفة كما في كثير من مناطق العالم. لم تكثرت لقتل أكثر من سبعين ألف شخص ضمنهم عشرات الآلاف من الأطفال و النساء، لم تهز فيها مظاهر التجويع والحصار والتهجير القسري والاختطاف وتدمير معالم الحياة مشاعرها الإنسانية، واهتمت فقط بأن “الشباب في الولايات المتحدة يشاهدون مقاطع قصيرة بعضها مختلق تماما، وهذا هو مصدر معلوماتهم عما يجري في غزة “ وأن “الكثير من الشباب اليهود الأمريكيين لا يعرفون التاريخ و لا يفهمون، وهذا جزء كبير من التحدي” وهي بذلك تحاول أن تخفف من حدة نتائج استطلاعات رأي أجري في الولايات المتحدة الأمريكية حول موقف الشباب الأمريكيين اليهود مما يجري في غزة، والذي أظهر معارضة 40 بالمائة منهم لما يحدث هناك. وأنها ربما كانت تجامل اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية لأنها أدلت بهذه التصريحات أثناء مشاركتها في فعالية نظمتها صحيفة (إسرائيل اليوم) الصحيفة الأكثر انتشارا في الكيان الإسرائيلي والمملوكة للمليارديرة ميريام أديلسون.
والحقيقة أن ما صرحت به السيدة التي أدارت السياسة الخارجية الأمريكية لفترة عصيبة في تاريخ العلاقات الدولية ينسجم تماما مع السردية التي حرصت على ترديدها في كل مرة قدرت فيها أن الكيان الإسرائيلي في حاجة ملحة إلى دعم قوي لسياسته العدوانية، ونستحضر بهذه المناسبة حينما وصفت في مرة سابقة المتظاهرين المناصرين للقضية الفلسطينية من الأمريكيين بمن فيهم الأمريكيين اليهود الذين طالبوا الإدارة الأمريكية بوقف دعمها العسكري لإسرائيل التزاما بالقانون الأمريكي بأنهم “ مجرد أشخاص غير مطلعين على التاريخ “ ولم تترد في تكرار إدعائها بأن الفلسطينيين رفضوا ما وصفته ب “ العرض السخي الذي قدم لهم في قمة كامب ديفيد سنة 2000 “، وهو الإدعاء الذي فنده المفاوض الأمريكي المشارك في نفس القمة السيد روبرت مالي حينما أكد في تصريح شهير له بالقول “ هذه مجرد أسطورة تستخدم لتبرير سياسات إسرائيل بما في ذلك الإبادة الجماعية “السيدة كلينتون انتهت سياسيا ولم يعد المشهد السياسي الأمريكي الراهن يطيقها منذ أن لفظتها صناديق الاقتراع في انتخابات رئاسية أمريكية شهيرة، وبالتالي لم يعد الرهان على دعم اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية ينفعها في مسار سياسي انتهت مدة صلاحيته، ومع ذلك لا تزال تمارس ما وصفها به الرئيس ترامب، ربما تحسبا من فتح صندوق إدارتها للسياسة الخارجية الأمريكية في فترة سابقة تخوفا من المساءلة و المحاسبة .