
عندما أقرّ الفيفا والاتحاد الأوروبي لكرة القدم نظام اللعب المالي النظيف (Financial Fair Play) ، لم يكن الهدف محاربة الصرف أو الحد من الرواتب كما تتصور بعض الجماهير، بل كان الهدف الأعمق هو حماية اللعبة من الانهيار المالي ومنع الأندية من الإنفاق بما يفوق قدراتها لمجرد مطاردة لقب موسمي أو صفقة إعلامية.فالكرة الحديثة أصبحت اقتصادًا كاملًا، والصيغة التي تحكمها اليوم ليست مجرد “من يفوز داخل الملعب”، بل “من يستطيع البقاء واقفًا في السوق”.
تنص اللائحة على مبدأ أساسي: لا يجوز للنادي أن ينفق أكثر مما يجنيه على مدى فترة تقييم مالية محددة.وقد يبدو هذا الكلام منطقيًا وبديهيًا، لكن تطبيقه كان وما يزال معركة حقيقية بين من يملك خزائن مفتوحة بلا سقف، وبين من يقاتل بالميزانية اليومية.
النقطة الأكثر حساسية في اللائحة هي هيكلة رواتب اللاعبين. فالراتب لم يعد مجرد اتفاق بين طرفين، بل أصبح عنصرًا مؤثرًا في الاستدامة المالية للنادي. بعض الأندية تضطر للموافقة على رواتب ضخمة للحفاظ على نجم أو استمالة موهبة صاعدة، لكنها بذلك تفرض عبئًا طويل الأمد يصعب الهروب منه. ولوائح الفيفا واضحة:
إبرام عقد لا يستطيع النادي تحمله يعدّ إخلالًا ماليًا وقد يؤدي لعقوبات رياضية.
لكن الواقع مختلف؛ فالأندية الكبيرة تمارس ضغوطًا غير مباشرة على النظام. هناك من يوقّع عقودًا طويلة جدًا لخفض كلفة الراتب السنوية، وهناك من يكتفي “بعقد تسويقي” يدار خارج النادي لإخفاء قيمة الدفع الحقيقي. والأخطر من ذلك استخدام شركات خاضعة لمالك النادي نفسه لتضخيم عقود الرعاية، فيصبح النادي “ثريًا على الورق”، رغم أن هذا الثراء مجرد تدوير مالي داخلي.
من ناحية أخرى، الأندية المتوسطة والصغيرة تجد نفسها في موقف صعب:
- كيف تنافس إن لم ترفع سقف الرواتب؟
- وكيف ترفع السقف دون أن تتعرض لعقوبات مالية؟
إنها المعادلة الأصعب التي دفعت الكثير من الأندية حول العالم إلى الاعتماد على الأكاديميات، وتطوير المواهب بدلاً من شراء اللاعبين الجاهزين.
اللافت أن اللائحة لا تهدف إلى معاقبة الأندية بقدر ما تهدف إلى توجيهها نحو إنفاق عقلاني. لكنها في الوقت نفسه كشفت فجوة كبيرة بين الأسواق الكروية. فالدوريات الأوروبية الكبرى تستطيع الالتزام بالقواعد لأنها تملك مصادر دخل هائلة، بينما تجد الدوريات العربية والآسيوية نفسها مضطرة للموازنة بين الطموح والقدرة.
خاتمة
اللعب المالي النظيف ليس مجرد لائحة؛ إنه مرآة تكشف طريقة تفكير الإدارات. فالنادي الذي يبني فريقًا بذكاء مالي قبل أن يبنيه فنيًا، يكون أقرب إلى الاستمرار وأبعد عن الانهيار. وفي النهاية، البطولات ليست ما يلمع في خزائن الأندية وحسب، بل ما يحفظها من الإفلاس ويحمي استقرار التنافس لعقود قادمة.