
تتحرر أجساد شخوص الفنان التشكيلي أحمد عبد الحميد، من غربتها الى فضاء لوحاته المعروضة حاليا في معرضه الشخصي الذي حمل عنوان “جسد في غربة” المقام على غاليري ميديا في اربيل، ويستمر لاسبوع.اجساد تتلاحم مرات لتبدو مثل كتلة متحدة تبرز منها بعض الملامح والايدي والاقدام، ثم تتشظى وتتناثر في محاولة للتخلص من غربتها، مرات اخرى، دون ان تفلت من أطر اللوحات، وباعتقادي كان التشكيلي احمد عبد الحميد يرغب ان يفجر اللوحة ذاتها ويتمرد على تقنياتها التقليدية لتخرج شخوصه من مساحاتها المحدودة تعبيرا عن حرية هذه الاجساد التي اعيتها الغربة.احمد عبد الحميد الذي درس الفن التشكيلي في معهد الفنون الجميلة ببغداد ثم البكلوريوس في الجامعة اللبنانية الاميركية بسلطنة عُمان، كان قد شارك في العديد من المعارض المشتركة في العراق وعُمان وبلجيكا قبل ان يقرر اقامة معرضه الشخصي الاول في عاصمة أقليم كوردستان. معلقاً” اربيل مدينة مدهشة بالوانها وحياتها المستقرة وناسها الذين يتمتعون بطاقة أيجابية، لهذا قررت ان يكون معرضي هذا في عاصمة أقليم كوردستان.”“الغربة هي التي رسمت هذه اللوحات”، قال ، خلال حفل افتتاح معرضه، “غالبية هذه الاعمال رسمتها في بلجيكا حيث كنت اقيم، في غربتي عن الوطن، وبعضها انجزتها في العراق وعٌمان، وشعرت هنا في اربيل اني تحررت من غربتي واردت ان اعتق هذه اللوحات تماما مثلما تعتق الطيور من اقفاصها، من غربتها وتلتقي بالجمهور مباشرة لتجري معه حوارا مباشرا من خلال الموضوعات ذاتها.”في الـ 32 لوحة التي عرضها الفنان أحمد، لم يكن موضوع الغربة هو الرئيسي بالرغم من ان عنوان المعرض “جسد في الغربة”، بل الجسد هو الثيمة الاساسية الذي يجمع بين كل اللوحات، او الذي عبر عن كل العناوين، إذ ليست هناك عناوين منفردة لكل لوحة، وحسنا فعل عبد الحميد ليترك المتلقي هو من يقرر العناوين او ليفسر العمل بلا اي عنوان.أظهر احمد عبد الحميد مهارته التقنية والفنية في رسم الجسد او الاجساد، ومن بين عشرات الاجساد التي ازدحمت بها لوحاته لا نجد بينها اي تشابه، هنا جسد غاضب، وفي لوحة أخرى جسد راقص، وفي لوحة ثالثة جسد متأمل، ومع اجتماع عدة شخوص في اللوحة الواحدة ومعكما ابدع في تكوين انشاء اللوحة واللون، موضحا” اللون عندي في هذه الاعمال ليس براقا، غاب عنه اللمعان الذي كنت احرص على ابرازه، لكن عندما ترسم في بيئة رمادية داكنة تغيب عنها الشمس غالبا، مثل اجواء بلجيكا، سوف تكتشف سر انحسار لمعان الالوان.” منح الفنان الاجساد حركة خفية، انها تتحرك رغم جمود الشخوص، وفق موسيقى داخلية نكاد ان نسمعها ونحن نتأمل بعمق مركز اللوحة وحدودها، بالرغم من انه تعمد ان يترك الحدود مفتوحة باستثناء الاطار التقليدي.لقد أسس الفنان التشكيلي أحمد عبد الحميد في معرضه “جسد في الغربة” اسلوبية متميزة ومتفردة في الفن التشكيلي العراقي والعربي، ربما هناك تأثيرات هامشية للاعمال الكلاسيكية المتحفية في أوربا، ممزوجة بحرصه على التجديد والثورة على التقليدية الشائعة، حتى اننا نصل الى قناعة راكزة بانه لم يتأثر بهذا الفنان او ذاك، بل جاءت اعماله مختلفة كلية عن بقية ابناء جيله او من سبقوه. أشتغل بحرفية عالية وايضا بابداع ومخيلة خلاقة ليضع اسمه وفنه في مقدمة المشهد التشكيلي العراقي والعربي.