
اجتاحت موجة عاصفة من الانتقادات على مواقع التواصل لما جرى في حفلة لمطرب يدعى شامي أو الشامي “لا اعلم“، بعد انتشار مقاطع تُظهر أطفالا ومراهقات يبكون بحرقة رغبة في رؤية المطرب والاقتراب منه.
ما حدث لم يكن مجرد “موقف عابر” او “واقعة عفوية “، بل هي ظاهرة تكشف خللا تربويا ورقميا واجتماعيا يستحق الوقوف عنده، خاصة بعد آلاف التعليقات الغاضبة والتي تفاعلت مع الحادثة وانتقدت ماجرى ووصفوه بالمهزلة الحقيقية. فيما يلي ادناه قراءة نقدية لما جرى:
أولا: غياب مراقبة الأهل لما يشاهده أطفالهم على المنصات، وتركهم يتعرضون لمحتويات لا تناسب أعمارهم، حيث ان بعضها يتضمن رسائل ومشاهد للكبار لا تُفهم الا في سياق عمري ناضج.
ثانيا: تقصير واضح من المنصات نفسها في فرز المحتوى، وعدم وجود ادوات حقيقية تمنع الأطفال من الوصول إلى المواد التي لا تناسب مرحلتهم العمرية.
ثالثا: وصول عدد كبير من الأطفال والمراهقين إلى عالم محتوى مخصص للكبار جعلهم يشاهدون لقطات او يسمعون قصصا وأغاني لا تنتمي لعمرهم النفسي أو الوجداني، وبالتالي تقليدها ومحاولة محاكاتها كالبكاء على المسرح امام المطرب .
رابعا: الحادثة تثبت من جديد أن أغلب المشاهير، نساء ورجالا، غير مؤهلين لتقديم النصائح أو أن يكونوا قدوة؛ فمعظم ما يفعلونه موجَّه نحو الشهرة والمال والترند، وليس التربية أو التأثير الإيجابي.
خامسا: أغلب البالغين لا يعرفون هذا المطرب ولم يسمعوا باسمه، فالسؤال المنطقي: كيف عرفه الأطفال؟ ومن أي منصة رقمية تعرّفوا عليه حتى وصل الإعجاب حدّ البكاء؟
سادسا: استغلال بعض الإعلاميات والمشاهير لأطفالهن أصبح فاضحا؛ فكل التفاصيل مصوَّرة، طلب الطفلة الذهاب للحفل، بكاؤها، دخولها، سلامها عليه…فكل شيء موثّق ومعدّ للنشر بحثا عن الترند والتفاعل وإثارة الجدل.
سابعا: بكاء الاطفال ليس عاطفة حقيقية أو حبا ناضجا، بل مشاعر مستوردة بالكامل من الشاشة، ومحاكاة لمشاهد مماثلة تحتوى نفس اجواء نبرة الموسيقى، وإضاءة المسرح، وصراخ الجمهور، وتعليقات الفانز، وهو تقليد آلي للمشهد لا أكثر.
ثامنا: ظهور أطفال في حفلات ذات طابع عاطفي وجداني تتضمن بكاء هستيري يفتح الباب أمام مراهقة مبكرة غير صحية، حيث يبدأ الطفل بتحميل نفسه مشاعر لا يستطيع تفسيرها ولايعرفها أصلا وسط تغافل الاهل عما يحدث !
تاسعا : استخدام كلمة “تحبه” او مطربها “ المفضل “ لتفسير سلوك الطفل مع الحدث، هو تبرير غير موفق بل غير مناسب عمرا، فالحقيقة أن الطفل لا يفهم الحب، بالمعنى الحقيقي، بل انه يقلد نمطا يراه متكررا في المحتوى، او انه الطفل، لكل اسف، اصبح أداة بيد من أراد استخدامه للشهرة وانتشار المقطع والجدل كالعادة !
عاشرا: بكاء أطفال ومراهقات امام مطرب “غير معروف” يعني اننا امام مسرحية كبيرة مضحكة ومحزنة في نفس الوقت، بطلها اباء وامهات ومشاهير سمحوا للطفولة ان تتلوث بحفلات غنائية أكبر من عمرهم البايولوجي وشخصيتهم النفسية والوجدانية.
من وجهة نظري ... إن ما حدث ليس واقعة منفصلة، بل مشهدا متكاملا مكثفا يلخص أزمة أكبر تنطوي على:
- مشاهير يستغلون أطفالهم لصناعة الشهرة وزيادة الجدل.
-خوارزميات تقتحم طفولة الأبناء بلا إذن ولا حدود.
- آباء وأمهات غارقون في الاستعراض وعدم معرفة أسس تربية الطفل.
- ثقافة رقمية تمحو الفواصل بين الطفولة والمراهقة والرشد.
- بيئة تحول المشاعر إلى سلعة، والأطفال إلى جمهور يستهلك ويصفق ويبكي قبل أن يفهم.