رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
ماجد الحساني رحلة بين سماعة الطب وريشة التشكيل


المشاهدات 1155
تاريخ الإضافة 2025/11/26 - 8:59 PM
آخر تحديث 2025/11/27 - 8:07 PM

في فضاء يجمع بين دقة العلم وحساسية الفن، يطلّ علينا الدكتور ماجد الحساني بوصفه أحد الأسماء التي استطاعت أن توفّق بين عالمين متباعدين في الظاهر، متقاربين في الجوهر: عالم الطب، حيث تُقرأ تفاصيل الجسد، وعالم التشكيل، حيث تُصاغ تفاصيل الروح.. سنوات طويلة قطعها بين رائحة الألوان وهدوء العيادة، ليصنع لنفسه مسارًا فريدًا يمزج فيه إنسانيته المهنية بحسه الجمالي، ويقدّم أعمالًا تحمل نبض الواقع وهموم الإنسان وذاكرة المكان.
في هذا الحوار، تأخذنا  الزوراء إلى محطات مبكرة من حياته، وبداياته الفنية، وتأثير النجف عليه، وصولًا إلى مشاركاته في المعارض العربية، وانتمائه إلى مؤسسات فنية أسهمت في تطوير تجربته.
حوار صريح يفتح نوافذ جديدة على ملامح شخصية جمعت بين العلم والإبداع، وبين التجربة الإنسانية والبحث الدائم عن الجمال.
* اهلا ومرحبا بك ضيفا على الزوراء .
ــ اهلا بكم وبالزوراء الغراء التي حسب علمي تابعت الكثير من المبدعين .
* لنبدأ الحوار ونسألك أولا متى بدأت أولى ملامح ميولك الفنية تظهر؟ وهل كانت البيئة المحيطة بك مشجعة على ذلك؟
ــ استطيع القول إن أولى ملامح ميولي الفنية بدأت تظهر عندي من أيام الدراسة الابتدائية. كنت دائمًا أحب الرسم والتلوين، وأذكر إن أهلي كانوا يشجعوني على ذلك. البيئة المحيطة بي كانت فعلاً مشجعة، كنت اسمع الاناشيد والحكايات الشعبية والخيالية من امي وخالاتي، وهذا الشيء ساعد على تنمية خيالي الفني.
* كونك طبيباً اختصاصياً وفناناً تشكيلياً في الوقت نفسه، كيف التقت الطبابة بالفن في بداياتك؟
ــ أعتقد أن الطبابة والفن كانا دائمًا متلازمين في حياتي، حتى قبل أن أدرك ذلك. في البداية، كنت أرى الفن كوسيلة للتعبير عن نفسي، والطب كان يمثل لي طريقًا لتحقيق الذات ومنفعة المجتمع والاقتراب من محبة واحترام الناس. لكن مع مرور الوقت، أدركت أن الفن يمكن أن يكون أداة قوية للتواصل مع المرضى وعموم الناس.
* هل تتذكر أول لوحة أنجزتها؟ وما الإحساس الذي رافقك حين عرضتها للمرة الأولى؟
ــ نعم سيدي الفاضل، وكنت حينها في الرابع الثانوي، وقد رشحوني بعض اساتذتي ان اشترك في معرض لقسم النشاط المدرسي يحضره بعض كبار المسؤولين، وكانت لوحتي عن فلسطين لوحة تعبيرية، شكل كف فيه جرح في وسطه وينزل منه دم والدم يتحول الى مقاتلين فدائيين، وقد حرصت ان تكون رسمة متقنة ومتميزة، رسمتها بالألوان الزيتية بالنفط فوق لوحة قديمة من العام السابق من نفس القسم وقد حصلت عليها جائزة سيت قلم باركر .
* من كان أول من شجّعك على المضي في طريق الفن التشكيلي؟
ــ مدرس الفنية في المرحلة المتوسطة، والسيد الوالد الله يعطيه العافية.
* ما الذي كان يشكّل مصدر الإلهام الأول لك: الطبيعة، الإنسان، أم التجربة الحياتية؟
ــ الطبيعة بشكل رئيسي ثم الانسان والحياة وانا. إنما احرص ان تكون افكار لوحاتي اصيلة غير مكررة.
* هل تلقيت تدريباً أكاديمياً في الفن، أم أن التجربة كانت ذاتية الطابع ونابعة من شغف شخصي؟
ــ الدافع ذاتي وشغف فني اصيل وانا ثقفت ودرست نفسي اساسيات وثوابت الفن التشكيلي واساسيات تأسيس واكمال اللوحة التشكيلية، من توازن شيئي ولوني وايقاع ومنظور ومسك فرشاة وغيرها من التقنيات، وايضا استفدت من اعمال رواد الفن وبعض زملائي من الفنانين، وقد حرصت ان تكون في اعمالي بصمة شخصية .
* ما الدور الذي لعبته النجف، كمدينة ذات عمق ديني وثقافي، في تشكيل ذائقتك الفنية؟
ــ مدينة النجف الاشرف عشت فيها اغلب فترة شبابي وهي مقر سكني وعملي واحبها.
* نلاحظ حضورك المتكرر في المعارض داخل العراق وخارجه، كيف تقيم هذه التجربة؟ وأي المعارض كانت الأقرب إلى قلبك؟
ــ صدقني لو كان عندي الوقت (والمزاج) الكافي لاشتركت بكل المعارض التي ادعى اليها، لأني قد تعلقت بأجواء المعارض، وان اكون جزءا من مسيرة الفن التشكيلي العراقي، وبهوية تميزه عن باقي فنون العالم احببت جدا اشتراكي بمهرجان العقبة في الاردن، وكان فيه عدد كبير من الفنانين العرب، وقد حصل بيننا كثير من التفاعل، ومتعة اكتشاف ان منابع الابداع الفني هي واحدة، ما دامت المشاعر والعواطف والميول واحدة.
* هل تعد أن الانتماء إلى مؤسسات فنية مثل رابطة «تضاد» ومؤسسة «عشتار» قد أضاف قيمة لتجربتك؟
ــ تضاد وعشتار منظمات مستواهما عالٍ، ومعترف بهما من قبل الحكومة العراقية وهما مسجلتان في منظمات المجتمع المدني، وحاصلتان على دعم مباشر ومتابعة من وزارة الثقافة ورئاسة الحكومة في البلد، وانا كنت قد ساهمت في تأسيس منظمة تضاد وتسجيلها، وايضا لدي هوية انتماء كعضو فاعل في مؤسسة عشتار .
* ما الفكرة أو التيمة التي تحاول إيصالها من خلال أعمالك التشكيلية عادة؟
ــ عادةً ما أهدف إلى التعبير عن تجربتي الشخصية والاجتماعية من خلال أعمالي الفنية. واحيانا احاكي المناسبة التي قد دعيت اليها، باعتبار أن الفن التشكيلي هو وسيلة للتعبير عن الأفكار والمشاعر التي قد تكون صعبة التعبير عنها بالكلمات. أنا أهتم بموضوعات مثل التفاعلات النفسية، الهوية الثقافية، والتراث، والعلاقات الإنسانية وحالات الفرد التي ابغي ان الفت الانظار إليها.. أستخدم الألوان والخطوط والأشكال لإنشاء أعمال فنية تعكس روح المجتمع والثقافة التي أتي منها من خلال أعمالي، أرغب في إثارة وتحفيز التفكير والتأمل لدى المشاهد، آملا في ان تترك أعمالي أثرًا إيجابيًا في نفوس الناس، والثيمات التي أتناولها عادة تدور حول: الهوية الثقافية: أبحث عن فهم وتعبير عن هوية المجتمع والثقافة التي أتي منها. التراث: أرغب في الحفاظ على التراث الثقافي والفني، وتقديمه بطريقة حديثة ومبتكرة. العلاقات الإنسانية: أهتم بتصوير العلاقات بين الناس، والتعبير عن المشاعر والتجربة الإنسانية.
* كيف تصف تجربتك في المشاركة بمعارض عربية مثل مهرجان «بين ثقافتين» في السعودية؟
ــ تلك كانت مشاركة (دون حضور) بعمل فني لوحة تشكيلية تصور رجلا يبحر بالگفه، والگفة كانت وسيلة النقل النهرية قبل ظهور الزوارق بشكلها المألوف، وقد واجهت السيدة فاديا رئيسة منطمة فاديا معاناة في الشرح للسعوديين وضيوفهم بأن هذه كانت وسيلة نقل اشخاص وبضائع عبر الانهار، والحمد لله خرجت بانطباع جيد ورضا الحضور كوني استخدمت تقنيات مبتكرة في رسم لوحتي تلك.
* هل ترى أن للفنان التشكيلي العراقي اليوم موقعاً مؤثراً في المشهد العربي والعالمي؟
ــ انا ارى منحى فن عراقي تتوضح ملامحه يوما بعد يوم بتلاقح فن مستلهم من تراث رواد الفن العراقي وملامحه المحببة، مع تعلم واكتساب مهارات الرسم الحداثوي وتقنياته الوفيرة المتنوعة .
* إلى أي مدى استطعت الموازنة بين الطب والفن؟ وهل هناك تقاطعات إنسانية تجمع بين الميدانين؟
ــ الموازنة بين الطب والفن هي تجربة فريدة وممتعة، حيث يمكن أن يكون كل مجال منهما مصدر إلهام للآخر. في تجربتي، وجدت أن الطب والفن يلتقيان في العديد من الجوانب الإنسانية. الاهتمام بالجمال: كطبيب، أهتم بجمال الشكل والوظيفة في جسم الإنسان، وفي الفن، أبحث عن الجمال في الأشكال والألوان. القدرة على الإبداع: الطب يتطلب الإبداع في مواكبة فنونه وتطوراته وسياقاته المتنوعة، والفن يتطلب الإبداع في التعبير عن المشاعر والأفكار ورصد افضل ما متوفر من ممارسات فنية لتطبيقها على اللوحة. الاهتمام بالإنسان: كل من الطب والفن يهتم بالإنسان وبحالته النفسية والجسدية.
* والتعبير عن المشاعر؟
ــ الفن هو وسيلة للتعبير عن المشاعر والأفكار، والطب يتطلب من الطبيب أن يكون قادرًا على التعبير عن المشاعر والاهتمام بالمرضى.
(الحقيقة انني لا اجرؤ على الادعاء انني قد استطعت تماما الموازنة بين الطب والفن)
* هل تخصص وقتا لكل مجال؟
ــ أخصص وقتًا للعمل في الطب ووقتًا آخر للعمل في الفن الاستفادة من كل مجال في الآخر: أستخدم مهاراتي الفنية لتحسين مهاراتي الطبية، والعكس صحيح. الموازنة بين الطب والفن تتطلب الصبر والتفاني، ولكنها تجربة ممتعة ومفيدة.
* حصلت على عدة شهادات ومواقع قيادية في مجال الطب، فهل أسهم ذلك في تعزيز رؤيتك الجمالية والتنظيمية في الفن؟
ــ حرصت على تقديم افضل ما يمكن لي تقديمه في مهنتي كطبيب او اداري او استشاري، واعطيت لمهنتي اولوية، وهذبت قدراتي على تنظيم الامور وبلورة رؤى وخطط عمل سلسة وقابلة للتطبيق، وذلك قد افادني كثيرا في اختصار مشاويري الفنية الكامنة والمؤجلة لحين التفرغ وكنت في بعض إيفاداتي وسفراتي لاورپا استفد كثيرا من التأمل في النتاجات الفنية والحضارية الاكثر مستوى ودلالة حضارية وتاريخية هناك .
* هل تفكر بإقامة معرض شخصي يضم خلاصة أعمالك خلال السنوات الماضية؟ وما الفكرة التي تود أن يحملها؟
ــ نعم سيدي الفاضل سأقيم معرضا شخصيا قريبا ان شاء الله وسأعلمك حينه، وفي معرضي هذا سأركز على اعمالي التي تشيع السعادة وتشحذ الفكر كهدف، وكذلك إظهار الفن التشكيلي بألوان نقية وتفاصيل سوية قدر الامكان وسترى فيها خصوصية اسلوبي في الرسم ان شاء الله .
* كيف ترى مستقبل الفن التشكيلي في العراق؟ وهل تعتقد أن الأجيال الجديدة تسير في الاتجاه الصحيح؟
ــ مستقبل الفن التشكيلي في العراق يبدو واعدًا، حيث يمتلك الفن العراقي تاريخًا عريقًا وتأثيرًا كبيرًا في المنطقة. الأجيال الجديدة من الفنانين العراقيين تظهر اهتمامًا كبيرًا بالتجديد والتجريب، وتستفيد من التكنولوجيا الحديثة لابتكار أعمال فنية تعكس التغيرات الاجتماعية والثقافية.
* ما الرسالة التي تودّ إيصالها من خلال تجربتك المتعددة الأوجه، كطبيب وفنان وإنسان يسعى للجمال والمعنى؟
ــ إن تجربتي كطبيب وفنان عراقي علمتني أن الحياة هي مزيج من الجمال والمعاناة، وأن دورنا كأفراد هو أن نجد التوازن بين هذين القطبين. كطبيب، أرى يوميًا تأثيرات المرض والمعاناة على الناس، ولكن أيضًا أرى قوة الإنسان وإرادته في التغلب على الصعاب.
كفنان، أجد أن الفن هو وسيلة للتعبير عن أعمق مشاعرنا وأفكارنا، وهو ما يجعلنا أكثر اتصالًا ببعضنا البعض أعتقد أن الجمال والمعنى يمكن أن يوجدا في كل شيء، حتى في الأماكن الأكثر صعوبة ورسالتي هي أن الإنسان يجب أن يسعى دائمًا للجمال والمعنى في حياته، وأن يستخدم مواهبه وقدراته لخدمة الآخرين. يجب أن نكون رحيمين مع بعضنا البعض، وأن نسهم في بناء مجتمع أكثر عدالة ومساواة كطبيب وفنان عراقي، أود أن ألهم الآخرين لاكتشاف قوة الفن والطب في تغيير حياة الناس، وأن نعمل جميعًا معًا لبناء مستقبل أفضل للعراق والعالم.


تابعنا على
تصميم وتطوير