
أثارت تصريحات رئيس هيئة الأركان الفرنسي فابيان موندون بخصوص التهيّؤ للحرب مع روسيا جدلا كبيرا في فرنسا وفي عدد من الدول الأوروبية، وكان موندون صرّح أمام إجتماع لرؤساء البلديات أنّ “ردع روسيا” يتطلّب أكثر من مجرد توفير قدرات عسكرية ، بل يحتاج من الشعب الفرنسي “قوة الروح والعزيمة ، والإستعداد لتحمّل الألم والتضحية بأبنائنا عند الاقتضاء” لحماية بلدهم .
ورأى أغلب الطيف السياسي الفرنسي أنً هذه التصريحات تُعتبر “دقّا لطبول الحرب في غير محلّها ولا مبرّر لها” ، في حين ذهب زعيم الحزب اليساري “ فرنسا الأبية” جون لوك ملونشون إلى أبعد من ذلك، إِذْ أكّد أنّ خطورة التصريحات كونها صدرت عن جهة غير مخوّلة، وهي لذلك تُعتبر “تعدّيا صارخا على صلاحيات رئيس الجمهورية والبرلمان “.
وبصرف النظر عن التطوّرات الميدانية والسياسية والدبلوماسية الأمريكية في النزاع الروسي الأوكراني ، فإنّه من اللافت أنّ أطرافا أوروبية عدّة تدفع باتّجاه تأجيج نيران الحرب .
ويبدو أنّ فرنسا وبريطانيا وبدرجة أقلّ ألمانيا تقود هذا التوجّه بدافع مُعلن هو الدفاع عن الفضاء الأوروبي وآخر خفيّ وغير معلن وهو الفشل الداخلي في إيجاد وحلول مقبولة للأزمات الإقتصادية والإجتماعية والسياسية المستفحلة منذ عقود .
ونعتقد أنّ المصاعب الإقتصادية والتنموية الداخلية لعدد من الدول التقليدية الكبرى في أوروبا أثّرت بشكل واضح على المشهد السياسي من جهة، وعلى إتّخاذ القرار في هذه الدول من الجهة الأخرى .
وتفيد المعاينة أنّ المشهد السياسي يتّسم بضحالته وفراغه المضطرد ، ما فتح الباب مشرعا أوّلا ، لتطوّر التطرّف السياسي من اليمين واليسار، وثانيا إلى تنامي الكيانات الموازية للدولة والمرتبطة بالتطرّف والجريمة، وثالثا إلى تغوّل الأجهزة العسكرية والأمنية والقضائية على الدولة ، ما يفسّر نزوع هذه الأجهزة إلى الحلول محلّها وإلى ملء الفراغ الذي تركه السياسيون لضعفٍ أو لانعدام كفاءة .
وما انفكّ الإعتقاد يسودنا كذلك بأنّ بعض النظريات الحقوقية الموغلة في التطرّف والتعالي على الدولة باسم الحرّبة والديموقراطية ساهمت هي الأخرى في إضعاف الدول وتفكيكها في بعض المجتمعات الغربية وغيرها، ما يؤشّر على دخول العالم مرحلة جديدة قد تشهد تغيّرات كبيرة في الفكر السياسي المنظّم للدول الليبرالية إتّجاه تطويرها درءاً لزوالها المحتوم .