
فخري العقيدي ممثل ومعلم ومخرج مسرحي، من مواليد بغداد خريج معهد الفنون الجميلة قسم التمثيل والاخراج المسرحي، اضافة الى اكتساب ثقافته الاكاديمية من جامعة كارل التشيكوسلوفاكية، حيث حصل على شهادة الماجستير عام 1977 في مجال الاخراج المسرحي، ولهذا عندما عاد الى العراق كان متسلحاً بثقافته الاكاديمية حيث عمل محاضرا في معهد واكاديمية الفنون الجميلة ولعدة سنوات...
ينتمي الفنان فخري العقيدي الى عائلة فنية، إذ زوجته فردوس مدحت أول مخرجة عراقية، بدأت بالإخراج سنة 1974م، وزوجته السابقة غزوة الخالدي، وابنته داليا العقيدي، وأخوه الأكبر شكري العقيدي وابنة أخيه سوسن شكري، وابن أخيه أحمد شكري.
درس المسرح في التشيك لمدة 6 سنوات، واستفاد من تجربة المسرح التشيكي في أعماله المسرحية، وقال في وصف المسرح التشيكي «المسرح التشيكي مسرح متطور وهذا التطور جاء نتيجة الثقافة التشيكية ففي مدينة براغ (براها) مساحتها اصغر من مساحة بغداد ويوجد فيها نحو (50) مسرحاً دراميا و (50) تصويرياً».
مسرحية المفتاح: مسرحية من التراث العراقي، أخرجها فخري العقيدي باللغة التشيكية، قال في وصفها «لاقت نجاحاً هناك وانبهروا بها لانه عمل جميل كانت بين الحلم والواقع (المثالية والمادية) هي اطروحة التخرج العلمي علاقة الاخراج العراقي وعلاقته بالمسرح العالمي». مسرحية أيوب: مسرحية عراقية من تأليف سعدون العبيدي، وإخراج فخري العقيدي.
اخرج فخري العقيدي مسرحية عُطيل مع طلبته في معهد الفنون الجميل برؤية مختلفة، إذ كان المخرجون العراقيون الذي سبقوه إلى إخراجها قد اهتموا بفكرة الغيرة في مسرحية عطيل، أما العقيدي فقد رأى أن الحرية هي السمة الاساسية فيها، وقال «كانت فكرة جديدة غير مطروحة اطلاقاً، اعتقد كل المخرجين العراقيين عندنا اخرجوها، قالوا ان فكرة الغيرة هي المحور الاساسي في المسرحية أما أنا فبعد التحليل العلمي لهذه المسرحية فوجدت أن الحرية هي السمة الأساسية لهذه المسرحية».
كما اخرج مسرحية رحلة الصغير في سفرة المصير عام 1984، ومسرحية بهلول وشيبوب عام 1994، ومسرحية المزمار السحري، عام 1984، واعمال أخرى
فخري العقيدي فنان مبدع ومتألق في جميع اعماله التي شارك من خلالها التلفزيونية منها والمسرحية والسينمائية، انه انسان بمعنى الكلمة، ابتسامته لا تفارق وجهه، وتواضعه زينة وبهرجة تضيف الى شخصيته معالم الاقتدار في جميع اعماله الفنية، هذا الفنان والذي تتلمذت في سنتي الأخيرة بمعهد الفنون الجميلة على يديه. وزملاؤه المبدعون الذين زاملوه في الدراسة منهم : طعمه التميمي وقاسم الجبوري , وفاروق فياض، وحافظ عارف , وجاسم شعن , والفنانة فوزية عارف زوجة معلم الاجيال الاستاذ المرحوم سامي عبد الحميد، والفنانة هناء المشهداني زوجة الفنان المرحوم نزار السامرائي والتي لم تمارس الفن، والفنان جاسم شعن، والعديد من الاسماء والتي لا تحضرني اسماؤهم .
ان الفنان فخري العقيدي هو فنان يحمل في ذاته القيم الجوهرية والانسانية، غير متكبر الفنانين والأصدقاء، هادئ الطبع، يفكر قبل ان يشارك في الحديث لكونه يستعيد اقوال المفكرين والادباء الذين اطلع على كتاباتهم ونصوصهم المسرحية ولا سيما من النصوص العالمية .
تتلمذ العقيدي في بداية دراسته المسرح على ايدي أساتذة كبار الذين اكتسبوا ثقافتهم من الجامعات الداخلية والخارجية ونقلوها الى تلامذتهم ومنهم الفنان الرائد فخري العقيدي، هذا الفنان والذي تأثر بأجواء فنية، انه شقيق الفنان الرائد المرحوم شكري العقيدي والذي كان رائدا في مسيرته الفنية وموظفا في الاذاعة والتلفزيون بدرجة مخرج, اضافة الى هذا هو زوج المخرجة المتألقة التلفزيونية فردوس مدحت .
لقد كان بالإضافة الى كونه مخرجا ممثلا بارعا متميزا يجسد شخصياته ويثير اعجاب المتلقي وجمهور النظارة بالمسرح فكان بأدائه وهو يجسد دوره في مسرحية يوليوس قيصر لشكسبير ومن اخراج الفنان الرائد جعفر السعدي، لم يكن منه ذلك الاداء المبدع والمتألق في اداء دوره إلا بعدما شاهده جمهوره واندمج معه محلقين معه في اجواء روما ومن خلال المشاهد التي كان يؤديها.
انه فنان متسلح بالمعرفة والثقافة المسرحية، وبموجبها استطاع ان يجسد شخصية كاسياس والتي حرضت على اغتيال القيصر بأسلوب ابهر الجمهور المتفرج وهو يؤدي هذه الشخصية المركبة والمعقدة وبما تمليه عليه احاسيس الحقد الدفينة في ذات الممثل، لقد استطاع الممثل العقيدي ان يحررها بجمالية التعبير وهو يؤديها ومن دون كلفة او تشنج.
ثقافته ساقته الى تجسيد هذه الشخصية الرئيسية في المسرحية متلاحما في مشهد مع الفنان المرحوم فاروق فياض ( بروتس ) والفنان طعمه التميمي (القيصر) والفنان جاسم شعن من اجل حثهم على التآمر على اغتيال القيصر تحت ذريعة حبه ل روما.
لقد قدم عرضا مدهشا بشخصية مثيرة وهو ينتقل بجسده المرن والمسترخي وغير المتشنج، بقدر ما كان هذا الجسد يعبر وبصدق وايمان عما كان مرسوما له ولهذا نجح نجاحا مبرحا في تجسيدها لكونه عاش بإيمانه وبمشاعره واحاسيسه الصادقة في تجسيد هذه الشخصية.
لقد حاول الفنان العبقري فخري العقيدي ان يؤدي شخصية المتآمر والحاقد على القيصر بشكل اوحى للمتلقي انه يمثل وكأنه يؤدي دوره في الواقع الروماني، وهذا بالطبع يعود الى اتباعه مقومات وعناصر التمثيل من حيث الالقاء المتميز، واللفظ السليم لمخارج الحروف والتي كان يلفظها مؤكدا على ان يمتلك الثقافة بالصوت والالقاء السليم , تعابير حنجرته والتي تفاعلت مع احاسيسه الداخلية , جسدت التعابير الصوتية للشخصية، وهكذا اخذ فخري كممثل يدور ويدور في وسط الجمهور المتفرج والجالس على جانبي الممثلين في ممر طويل , فاستطاع ان يستحوذ على اعجاب الجمهور وعواطفه في اروع ملحمة تشكيلية رسمتها انامل الفنان المخرج المرحوم جعفر السعدي، كان يختلف عن واقعه الحقيقي , وهناك فرق شاسع ما بين مشاهدته وهو يؤدي دور المتآمر على القيصر وما بين شخصيته الحقيقية في الواقع الذي يعيشه .
انه يؤمن بمقولة المخرج والمفكر الروسي المسرحي ستانيسلافسكي ( على الممثل ان يؤمن وبما يؤديه من على خشبة المسرح، وايمانه الحقيقي يقوده الى تحرير مشاعره واحاسيسه بصدق متحدا مع الجمهور بشخصية واحدة حينما تتم عملية التنفيس والتطهير عند المتلقي ) .
وكذلك تأثره بالمخرج العظيم برشت وبأعماله، ولهذا اخذ عنهم كل ما يخدمه كمخرج في تجسيد اعماله في الاخراج برؤية اجتهادية انبثقت من خلال رؤيته كمخرج ابدع في جميع اعماله المسرحية، سواء بالمعهد او كلية الفنون الجميلة او مع الفرق الاهلية .
كما شارك بالعديد من الادوار الرئيسية في العروض المسرحية ومنها : مسرحية ماكبث , يوليوس قيصر، الحيوانات الزجاجية، كاليجولا، اغنية التم .
ارتبط الفنان فخري العقيدي بالعديد من الجهات الفنية ومنها: عمل بفرقة المسرح الوطني بدرجة مخرج اول . شارك في تأسيس فرقة مسرح الفن الحديث عام 1964. عمل محاضرا في معهد الفنون الجميلة واكاديمية الفنون ولعدة سنوات. شغل منصب مدير المسارح بوزارة الثقافة. كما شارك بالتمثيل في معظم التمثيليات التلفزيونية وسهراتها الدرامية.
فخري العقيدي فنان مجدد ومبدع , يطرق ابواب الحداثة والتطوير في اعماله، ولهذا هو يبهرك في جميع عروضه ان كان مخرجا او ممثلا او كاتبا لأنه يعمد على الابتعاد من التكرار والتقليد، بقدر ما يستخرج من افكاره رؤياه الناضجة ابداعات خلت من التقليد والمحاكات، وانما يعمد في جميع اعماله على الابداع والانبهار وخلق عنصري التشويق والشد من اجل غاية في ذاته وهي جعل المتلقي يتمتع بمشاهدة عروضه وخلق فرجة فيها من التمتع والاستمتاع .
تأثر فخري العقيدي بحضور تأثير شقيقه الأكبر الفنان القدير الراحل شكري الذي انخرط في العام 1966، في اول مؤتمر يعني بالفنون الجميلة ومنها المسرح ، وعدت فترة الستينيات ازهى فترة وصل اليها العراق وخصوصا عندما رجع الفنانون العراقيون من اوروبا والاتحاد السوفييتي وامريكا الى العراق ، وهم يحملون معهم تجارب قيمة .. كان كل من حقي الشبلي قد حمل تجربة مصرية فرنسية، وحمل يحيى فايق وابراهيم جلال وجعفر السعدي تجارب امريكية ، وعاد قاسم محمد بتجربة روسية . أما عوني كرومي فكان صاحب ثقافة المانية .. في الستينيات قدمت اروع المسرحيات العراقية المتقدمة.. وغدت الحياة الفنية المسرحية العراقية خلية نحل تعج بأعمال دائمة وثابتة ومبرمجة ومخطط لها .. وساهم معهد الفنون الجميلة مع الاكاديمية فخلقا قوة لا تضاهى فأنتجت ذلك الجيل المسرحي الجديد الذي كان وراء ازدهار المسرح لما بعد العام 1960 .
فوصل المسرح العراقي الى ذروته على ايدي نخبة ممتازة من المخرجين والممثلين الفنانين: حقي الشبلي ويحيى فائق وابراهيم جلال وجعفر السعدي ويوسف العاني واسعد عبد الرزاق وبدري حسون فريد وخليل شوقي ، مما اضطر الى اصدار قانون الفرق التمثيلية لعام 1964 ، وتأثير مخرجات اكاديمية الفنون الجميلة وانبثاق فرقة المسرح الفني الحديث عام 1967 ، ووصول المسرح العراقي الى ذروته في ( النخلة والجيران ) للروائي المعروف غائب طعمه فرمان وتنوع مدارس المخرجين العراقيين، اذ حمل كل واحد منهم نتاج مدرسته الاجنبية لتأسيس مدرسة عراقية لم تكتمل مع كل الاسف لأسباب سياسية وتاريخية .. انها مرحلة قاسم محمد وعبد المرسل الزيدي وسامي عبد الحميد والصديقين نور الدين فارس وعوني كرومي .. وستكتمل في السبعينيات والثمانينيات مع عزيز خيون وفاضل خليل وفخري العقيدي وعبد المحسن العزاوي وسليم الجزائري (التأثر لدى الاخير بالمسرح الجيكي ) وصلاح القصب وعلي الشوك وسعدي يونس ( التأثر لديه بمسرح البوليفار الفرنسي) وعبد الوهاب الدايني وجواد الاسدي وبيتر فايس ( التأثر لديه بالمسرح التسجيلي الوثائقي ) ومحسن العلي .. وغيرهم.. مع نضوج الفرق التي خلقت بينها روح المنافسة وبدأ المسرح القومي يستقطب الجميع..
لقد كان المسرح العراقي بدا ممثلا بالفرق الاهلية ولم يستفد أبدا من أي انتعاش اقتصادي استفاد منه البلد ، وكان الاعضاء يصرفون من جيوبهم وبالرغم من ذلك، فلم يكن هاجس أي فرقة المردود المالي مقارنة بالإبداع الرمزي. ثم جاء تأسيس معهد الفنون الجميلة قسم المسرح فدرس المسرح اكاديميا مهنيا ثم تأسست الفرقة دائرة السينما والمسرح التي جمعت معظم فناني المسرح وخريجي طلبة معهد وكلية الفنون الجميلة.
من أنشط الدورات التي تخرّجت في معهد الفنون الجميلة/ فرع التمثيل (المسرح) دورة 1964 و1965 و1966، إذ قدم طلاب هذه الدورات أكثر من سبعين عملاً مسرحياً من مختلف المدارس والمذاهب والتجارب المسرحية العالمية.. ومن أشهر المخرجين المسرّحيين يومذاك: (أحمد فياض المفرجي, قاسم حول, مهدي السماوي, مولود المعيني, سليم الجزائري, صلاح القصب, تحسين شعبان, فخري العقيدي ، علي رفيق, سامي السراج, عبد المرسل الزبيدي, ناصر علي الناصر وغيرهم). اما الفرق المسرحية في التي نشطت وضمت معظم هذه الأسماء وهي : فرقة مسرح بغداد الفني: أسسها سعدون العبيدي وجعفر علي وطه سالم. فرقة 14 تموز للتمثيل. المسرح الفني. فرقة سمير أميس للتمثيل. فرقة أنوار بغداد للتمثيل. فضلاً عن الفرق العريقة الشهيرة مثل: فرقة المسرح الفني الحديث. زائداً عشرات الفرق المسرحية في محافظات العراق الأخرى..
من أشهر المسرحيين العراقيين أيام زمان الذين عملوا وقدموا فوق خشبات المسرح التليد التابع لعمادة معهد الفنون الجميلة في الكسرة.. (كريم عواد, خليل شوقي, ثريا خالد, قحطان محمد, نورية يوسف, جانيت يوسف, صادق علي شاهين, قاسم صبحي, روميو يوسف, جعفر علي, وجدي العاني, فوزية الشندي, فوزية عارف, فوزية حسن, ياسين لطيف, حاتم السلمان, ثامر مهدي, هناء عبدالقادر, عثمان فائق, رؤيا رؤوف, طعمة التميمي, فوزي مهدي, فخري العقيدي, بهجت الجبوري, ساهرة أحمد, نزار السامرائي, عبدالمطلب السنيد, علي رفيق, أسامة القيسي, عبدالمنعم شكر, سعدي السماك وحافظ عارف وغيرهم المئات).
ولكن التسعينيات اصاب الخراب كل مرافق حياة العراق وخلقت طبقات طفيلية من خلال مسرح التهريج خصوصا بعد غلق الملاهي، فانتقل التسطيح الى المسرح ، وخلا من الحكمة واسترخى الجمهور في القاعات المبردة وهو يستمتع بالنكتة السمجة والاسفاف العامي وفساد الذوق العام. وفي اسباب الاضمحلال وحالات الخراب.. لقد عمدت السلطة الى تسييس الثقافة فخلقت انحدارا بشعا ورداءة واسفافا اساء الى الذوق العام .. بل ارادت السلطة ان تستخدم الفن والمسرح وسيلة تعبوية للناس على الغلظة والحرب والمجابهة.. في ظل هذا الوضع ولدت لجنة المسرح العراقي لتدعم المسرح الجاد من جد وجديد ، ولكن بدا التفكك واضحا مع ذبول الكلمة القوية واصبح الفنانون جميعا في العراق برهان السلطة ، وكان هناك التصفيق ولكن بدأ البعض يهرب نحو الغموض والتجريبية العالية .. دخل منتجون لا علاقة لهم لا بالثقافة ولا بالمسرح وجل ما يقدمونه هو لهو وتهريج.. لجأت الفرقة القومية الى التمويل الذاتي لكنها بدأت تنتج عروضا سخيفة وحل التمويل الذاتي لكي يجني صاحبه الربح .. انزوت الاسماء الكبيرة وهاجر العديد من الكبار بعد تهميشهم مثل الفنان فخري العقيدي وزوجته المخرجة فردوس مدحت ..
وابقى البعض علاقته بالسلطة نظرا لارتباطه بها حتى وهو في خارج العراق مما شكّل علامات استفهام قوية حول ذلك ! علما أن هناك بعض العروض المسرحية التي حوربت في تلك المرحلة وتبلورت بعض الاسماء الجديدة ابان التسعينيات.. كان الخواء قد سيطر على كل الحياة الثقافية العراقية داخل العراق وبدأ العراقيون يحلمون بالتغيير وبأي وسيلة كانت.. ولما دخلت المسألة العراقية بعدا آخر اثر دخول العالم في قرن جديد .. بدأت تلوح في الافق علامات ذلك التغيير الذي لم اجد أي عمل يتنبأ بما سيحصل!
يبقى المخرج الرائد المغترب والبعيد عن وطنه ومسرحه فخري العقيدي متلطعا للعودة والمساهمة من جديد، فهو فنان مبدع ومتألق في مسيرة حياته الفنية، ونموذج أكاديمي في أعماله ومسيرته الفنية.