رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
ما تخفيه الحقائق الصادمة


المشاهدات 1171
تاريخ الإضافة 2025/11/22 - 9:01 PM
آخر تحديث 2025/11/23 - 8:52 PM

 كشف برنامج الأغذية العالمي التابع لمنظمة الأمم المتحدة عن أنه لن يتمكن من مساعدة سوى ثلث عدد الأشخاص الذين يتوقع أن يعانوا من احتياجات غذائية عام 2026 بسبب نقص التمويل. وأوضح، في بيان له، أن توقعات عام 2026 تشير إلى أن ما مجموعه 318 مليون شخص في العالم سيواجهون جوعا حادا أو وضعا أسوأ في العام المقبل، مما يشكل أكثر من ضعف الرقم المسجل سنة 2019. وأضاف في تحذير أن تراجع التمويل الإنساني الدولي سيجبر البرنامج على تركيز مساعداته الغذائية على نحو ثلث المحتاجين فقط، بما يمثل 110 مليون شخص بتكلفة لن تتجاوز 13 مليار دولار .. هذا التحذير بما يتضمنه من مؤشرات خطيرة يجب وضعه في سياق النظام العالمي السائد واستعماله أداة لقياس ما يرفع من شعارات رنانة في مختلف المحافل الدولية حول العدالة العالمية، وحسن توزيع الثروة العالمية بما يكفل استفادة أكبر عدد من سكان العالم منها، وتعميم الخيرات المتحصلة من الأنشطة الاقتصادية المتعددة والمختلفة. وحينما نضع هذه الأرقام المخيفة التي تنبهت الأمم المتحدة إلى خطورتها البالغة تتضح كثير من معالم انعدام الصدق، من خلال التناقض الصارخ بين ما يقال ويرفع من شعارات، والواقع كما هو سائد في نظام عالمي ظالم للغالبية الساحقة من سكان العالم. وهكذا حينما يكشف برنامج الأغذية العالمي عن تكلفة المساعدات التي يمكن من خلالها إسعاف 110 مليون شخص في العالم، والتي توقعها في حدود 13 مليار دولار، بما يعني في إطار عملية حسابية بسيطة أن تكلفة إسعاف 318 مليون شخص لإنقاذهم من المجاعة الحادة لا تتجاوز حوالي 35 مليار دولار، فإننا نقف عند إشكالية حقيقية خطيرة، تعني أن قضية المجاعة الحادة في العالم، التي تعد إحدى أهم القضايا الإنسانية على الإطلاق في العالم، لا تجد موقعا متقدما لها ضمن الأولويات التي تفرضها القوى العالمية على أجندة الاهتمام العالمي.. وهكذا نلاحظ مثلا أن ما يكلفه نزاع واحد من النزاعات الملتهبة في العالم يعادل أضعاف ما تتطلبه الحاجة إلى مواجهة قضية إنسانية واحدة تتمثل في إنقاذ جزء كبير من ساكنة العالم من المجاعة الحادة.. والأدهى من كل ذلك أن دولاً كبرى تبدي سخاءً منقطع النظير في تمويل نزاع معين في منطقة معينة من العالم، ويصبح في هذه الحالة مثلا السعي نحو الحد من نفوذ دولة قوية واحدة، والعمل على إضعافها، أهم بكثير في تقدير دول معينة أكثر أهمية وإلحاحية من التصدي لقضية إنسانية تمثل تهديدا خطيرا لمستقبل البشرية جمعاء، ويصير التخطيط على إسقاط نظام سياسي معين في رقعة جغرافية من هذا العالم أو الإطاحة برئيس دولة معينة أكثر أهمية من إنقاذ ملايين الأشخاص في العالم.. وهكذا أيضًا يتم استخدام الشرعية الدولية والعقوبات الاقتصادية بصفة فردية بهدف فرض ما تقتضيه مصالح استراتيجية معينة لقوة دولية واحدة أو لقوى عالمية متكتلة في حلف أو في تجمع، يحظى بأولوية الأوليات مقارنة مع كثير من القضايا الإنسانية المعقدة المنتشرة.. إنه منطق البراغماتية الفاسدة الذي تقبض به الشركات التجارية العالمية الكبرى والمتوغلة التي تمتثل إليه الحكومات السياسية... لذلك صار من الصعب تصديق الشعارات والتوصيات الصادرة عن العدد الهائل من الاجتماعات والمؤتمرات التي تدّعي خدمة مصالح شعوب العالم، خصوصاً الشعوب المستضعفة .


تابعنا على
تصميم وتطوير