
في زمن تتسارع فيه التكنولوجيا وتتغيّر فيه المهن والحرف، ما زال هناك مَن يقف بقوة ليحمي ذاكرة العراق الحرفية العريقة. الفنان سفير جمال زين العابدين كوزجي واحد من هؤلاء، فهو ابن أسرة تمتد جذورها في صناعة الفخار آلاف السنين، أسرة جعلت من الطين فناً وهوية ورسالة ثقافية متوارثة. ورشة العائلة لم تكن مجرد مكان للعمل، بل كانت مصنعاً للحلم، ومتحفاً للتاريخ، وجذوة ألهمت ثلاثة أجيال بدءاً من الجد وصولاً إلى الجيل الثالث الذي يمثله اليوم الفنان سفير جمال.
في هذا الحوار الصحفي، نقترب من عالمه الإبداعي والفني، نستكشف رؤيته للحرفة، ونسأل عن رحلته، طموحاته، أدواته، رؤيته للمستقبل، والتحديات التي تواجه واحدة من أقدم الحرف التي عرفتها بلاد الرافدين.
* اهلا وسهلا بك في هذا الحوار .
ـ اهلا ومرحبا بكم اخي العزيز .
* حدّثنا عن بداياتك وحياتك الشخصية والمهنية؟
ـ أنا متزوج وأعمل في مجال الصناعة اليدوية، حيث أمتلك معمل فخار وورشة عمل حر، وهي مهنة توارثتها من أجدادي ثم والدي، وانتقلت إليّ بشكل طبيعي منذ طفولتي.
* أين نشأت، وكيف أثّرت البيئة على تكوينك الفني؟
ـ نشأت في قضاء طوز خورماتو، ثم انتقلت إلى كركوك. كانت نشأتي مستقرة، وشغفي بالفن والنحت والسيراميك ظهر مبكراً بحكم أن اختصاص عائلتي هو الفخاريات.
* مَن كان المؤثرون الأوائل في حياتك؟
ـ جدي ووالدي وعائلتي، فهم من غرسوا فيّ حب هذه المهنة.
* هل واجهت صعوبات في دخول هذا المجال؟
ـ لم أواجه أي صعوبة، لأنني تربيت في هذا الاختصاص منذ صغري، وكان جزءاً من حياتي اليومية.
* لنلج عالم الرؤية الفنية والهوية الحرفية ونسالك كيف تنجح في التوفيق بين حياتك الشخصية والعمل الفني؟
ـ وضعت نظاماً مدروساً ينظّم وقتي، بحيث لا أتضايق في إدارة عملي أو حياتي الشخصية، وهذا النظام ساعدني على الاستمرار براحة وفاعلية.
* ما الذي يدفعك للاستمرار في هذه المهنة رغم صعوبتها؟
ـ حبي العميق لهذه الحرفة واشتياقي الدائم لها. بالإضافة إلى أن الفخار إرث أجدادي، وهو يمثل تاريخاً عريقاً لا يُقدّر بثمن.
* كيف تنظر إلى الفخار من حيث قيمته الحضارية؟
ـ الفخار فن سومري قديم يمثل هوية العراق، وله قيمة كبيرة في العالم، لذلك أشجع من حولي على التمسك به لأنه تاريخ حضاري لا يجب أن يندثر.
* كيف ترى اهتمام المجتمع العراقي بالفنون الحرفية اليوم؟
ـ أراه اهتماماً متزايداً، خصوصاً في كركوك وبقية المحافظات، وحتى خارج العراق. النظرة تغيرت كثيراً نحو الأفضل، والفنون الأصيلة عادت لتحظى بتقدير كبير.
* كيف تطوّرت تقنيات عملك مع مرور الزمن؟
ـ تطورت بجهدي الشخصي وبدافع ذاتي، ومع توفر المواد المطلوبة أصبحت العملية أسرع وأسهل وأفضل.
* حدّثنا عن قصة تأسيس معملكم الفخاري؟
ـ تأسيس المعمل هو ورث عائلي قديم، وما زال مستمراً حتى اليوم. أهم تجاربي كانت مشاركتي في العديد من المعارض داخل وخارج العراق.
* كيف تختار الألوان والتصاميم لقطعك الفنية؟
ـ أختارها وفق أفكاري ومشاعري الداخلية، ثم أحوّلها إلى عمل ملموس على أرض الواقع.
* هل أثرت التكنولوجيا الحديثة في عملك؟
ـ نعم بشكل كبير، فقد ساعدت التقنيات الجديدة على تطوير الإنتاج، وجعلته أكثر دقة وجودة.
* ما موقفك من المزج بين الأصالة والابتكار؟
ـ لا أؤيد الابتكار التقليدي المكرر، بل أمزج بين الأصالة والفكر الفني الحديث بما يتناسب مع واقع اليوم.
* ما مصدر الإلهام في أعمالك الفنية؟
ـ أستمد إلهامي من ممارسة النحت وصنع التماثيل، فهي تمنحني طاقة نفسية وعقلية وجسدية.
* ما الإنجاز الأقرب إلى قلبك؟
ـ تمسكي بإرث أجدادي واستمرار هذه الحرفة التاريخية لآلاف السنين.
* ما سبب نجاحك في هذا المجال؟
ـ اعتمادي على نفسي، ودعم عائلتي، وتشجيع الجمهور، ومشاركتي في المعارض التي منحتني خطوات قوية للاستمرار.
* كيف ترى دور الفنان في المجتمع اليوم؟
ـ دوره ليس بالمكانة المناسبة بسبب ضعف الدعم الحكومي مادياً ومعنوياً، لكنني أرى المستقبل أفضل بفضل التقنيات الحديثة وجيل الشباب الواعي.
* هل لديك مشاريع مستقبلية لتطوير مهنتك؟
ـ نعم، أخطط لتطوير ورشة العمل واستقبال شباب من الجنسين لتعليمهم هذه المهنة، حفاظاً عليها للأجيال القادمة.
* هل تؤثر المواد المستوردة على جودة الفخار المحلي؟
ـ نعم للأسف، المواد القادمة من دول الجوار أثرت سلباً على هذه المهنة التاريخية، وأضعفت إمكانية تصدير أعمالنا المميزة للخارج.
* حدثنا عن مشاركاتك الفنية؟
ـ شاركت في العديد من المعارض العامة والخاصة، والمهرجانات الرسمية والشعبية في عموم المحافظات وخارج العراق، وكانت تجربة غنية بالتنوع والاندماج بين الشعوب.
* هل ساعد الإعلام في انتشار فن الفخار؟
ـ نعم، الإعلام والتقنيات الحديثة جعلا لهذا الفن حضوراً عالمياً متزايداً.
* هل أجريت معك مقابلات إعلامية؟
ـ نعم، أجريت معي مقابلات تلفزيونية وصحفية داخل العراق وخارجه.
* ما نصيحتك للشباب؟
ـ أن يتعلموا هذه المهنة بكل فخر، فاليوم أصبح التعليم سهلاً ومجانياً، بينما في السابق كانت الأدوات والمكان والمواد شبه معدومة.