
لم يعد تأثير الوسطاء في كرة القدم مجرد دور ثانوي كما كان يُعتقد في الماضي. لقد أصبحوا جزءًا أساسيًا من صناعة الانتقالات الحديثة، ينسجون شبكة معقدة من العلاقات والصفقات والاتصالات التي قد تصنع لاعبًا أو تضيع آخر. لكن هذا التأثير لا يخلو من الجدل، ولا ينفصل عن قضية العمولات التي تقف اليوم في قلب النقاشات التنظيمية داخل الفيفا والاتحادات الوطنية. من الناحية النظرية، فإن دور الوسيط واضح: تمثيل اللاعب أو النادي وتقديم الاستشارة القانونية والتعاقدية التي تضمن حقوق الطرف الممثل.
لائحة الفيفا للوسطاء نصّت على ضرورة تسجيل الوسيط، والكشف عن هويته، وتحديد أنواع الخدمات التي يقدمها. لكن هذه النظرية تصطدم، في بلدان كثيرة، بواقع مختلف تمامًا؛ واقعٍ يتداخل فيه دور الوسيط مع دور السمسار، وتختلط فيه الاستشارة المهنية بالمصالح الخفية.أكثر ما يثير الجدل هو العمولات. الفيفا حاولت ضبطها عبر سقف لا يتجاوز عادة 3 % من دخل اللاعب أو 10 % من قيمة العقد عند تمثيل النادي، لكن السوق يمضي في اتجاه مختلف. تُبرم صفقات في الكواليس تصل فيها العمولات إلى نسب خيالية، تُخفيها طرق التفافية. وهنا يظهر السؤال الحساس: هل أصبحت العمولة هي المحرك الحقيقي للانتقالات، وليس مصلحة اللاعب أو النادي؟
الواقع لا يمكن إنكاره: في بعض الحالات، تُبنى التعاقدات على مصلحة الوسيط قبل مصلحة اللاعب. نجد لاعبًا شابًا ينتقل إلى نادٍ لا يتناسب مع مستواه الفني لمجرد أن الوسيط حصل على “حصة” أعلى. ونجد نادياً يتعاقد مع لاعب لا يحتاجه لأن وسيطًا نافذًا دفع بالصفقة إلى الطاولة. وهكذا تتحول منظومة الاحتراف من ساحات المنافسة إلى سوق نفوذ يحدد ملامحها من يتحكم في مسار التفاوض.هذه السلوكيات تخلق خللًا حقيقيًا في بنية الأندية، خصوصًا الأندية ذات الموارد المحدودة التي قد تُستنزف ماليًا في صفقات غير مدروسة. وهي أيضًا تضع اللاعب أمام مستقبل غير مستقر.
من زاوية قانونية، تحاول الفيفا عبر لوائحها الجديدة إعادة الانضباط إلى هذا الملف المعقّد. لكنها لا تزال معركة طويلة، لأن بعض الوسطاء لا يعملون ضمن إطار اللوائح أساسًا.
خلاصة القول:
الوسطاء عنصر مهم في كرة القدم الحديثة، ولا يمكن إقصاؤهم أو التقليل من دورهم. لكن العمولات غير المنضبطة جعلت هذا الدور يتحول في بعض الأحيان إلى تهديد مباشر لسلامة التعاقدات. إصلاح هذا الملف ليس مهمة الفيفا وحدها، بل مسؤولية مشتركة بين اللاعب والنادي والاتحاد والوسيط.
فاللائحة قد تُضيء الطريق، لكن التطبيق هو ما يضع الجميع.