
في شوارع ميسان المكتظة، حيث تختلط أصوات الباعة بزحمة المارة وضجيج المركبات، يعلو صوت آخر بات مألوفاً لكل من يسير في طرقاتها… صوت “التكتك”. تلك المركبة الصغيرة التي تحولت خلال سنوات قليلة من وسيلة بسيطة للنقل إلى ظاهرة اجتماعية واقتصادية معقدة، تحمل في طياتها وجوهاً متعددة بين الحاجة والفوضى، بين الرزق والخطر، وبين الرحمة والموت!
فالتكتك، رغم أنه “ساتر على كثير من العوائل”، كما يصفه البعض، إلا أنه في المقابل أصبح مصدر قلق حقيقي في المحافظة بعد تزايد أعداده بشكل لافت، دون تنظيم قانوني واضح، ودون رادع لمن يقوده بطيش وتهور. تجوب التكاتك شوارع العمارة وأزقتها بلا توقف، بعضها بلا لوحات تسجيل، وأغلبها بلا أوراق قانونية، فيما يقودها شبان صغار لم يبلغوا السن القانونية للقيادة. ورغم أنها وسيلة رزق لكثير من العائلات الفقيرة، فإنها في الوقت نفسه باتت تُشكل عبئاً مرورياً وخطراً يهدد سلامة المواطنين، بعد أن سُجلت حوادث دامية كان أبطالها “سائقو تكتك” متهورون.
في استطلاع أجريناه لآراء المواطنين:
حسن كريم – موظف حكومي:
« بصراحة، التكتك أصبح ظاهرة مزعجة. ما نكدر نمشي بأمان، لا احترام للإشارات ولا للقوانين. أكثر الحوادث صايرة بسبب السرعة والطيش، خصوصاً من الأطفال اللي يقودوها.”
أم علي – ربة بيت:
« صحيح مرات يسببون إزعاج، بس والله التكتك ستر على كثير من الناس. ابني يشتغل عليه ويربي أطفاله منه. إحنا ما عدنا غيره مصدر رزق، لو يمنعوه شراح نسوي؟”
أبو أحمد – سائق سيارة أجرة:
«المشكلة مو بالتكتك نفسه، المشكلة بعدم وجود رقابة حقيقية. إذا الدولة سجلتهم وخضعتهم لتعليمات المرور يصير وضع طبيعي، بس الآن فوضى بكل معنى الكلمة.”
سارة جبار – طالبة جامعية:
«أوقات الزحمة التكتك ينقذنا من التأخير، خصوصاً لما يمر بالأزقة. بس الخوف لما تشوف واحد يسوق بسرعة جنونية أو طفل ما يعرف حتى يتعامل مع الشارع.”
بين من يراه وسيلة للرزق الكريم ومن يعدّه “قنبلة متحركة”، يبقى التكتك عنواناً للجدل في ميسان. فالمحافظة تشهد المئات من المركبات غير المسجلة، يقودها مراهقون يجهلون قوانين السير، وسط غياب واضح للإجراءات الردعية الرصينة. التكتك اليوم ليس مجرد وسيلة نقل، بل قضية تتعلق بأمن المجتمع وسلامة أفراده. ولأن الأرواح لا تُعوض، فإن الحاجة باتت ماسّة إلى إجراءات قانونية حازمة تنظم عمل سائقي التكتك، وتمنع الأحداث من قيادتها، وتفرض رقابة حقيقية على هذا القطاع المتفلت. فبين لقمة العيش وحق الحياة… يجب أن يكون القانون هو الحَكم..