رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
صالح الكناني من جدران الطفولة إلى فضاءات الإبداع العالمي


المشاهدات 1681
تاريخ الإضافة 2025/11/16 - 9:05 PM
آخر تحديث 2025/11/23 - 8:52 PM

في تجربة تمتد لأكثر من أربعة عقود، يشكّل الفنان العراقي  صالح الكناني  واحداً من الأسماء التي رسّخت حضورها في المشهد الفني المحلي والعربي، عبر مسيرة بدأت من دهشة الطفولة وفضولها، مروراً بمعهد الفنون الجميلة وبدايات الاحتراف، وصولاً إلى المشاركة في المعارض الدولية، والعمل الثقافي والإداري، وتبنّي الطاقات الشابة. في هذا التحقيق بصيغة سؤال وجواب، يكشف الفنان الكناني محطّات تكوينه الإبداعي، وأثر الطفولة في اتجاهاته، وتجربته في الخط العربي، ومشاركاته العالمية، ودوره في إدارة الفعاليات الفنية، إضافة إلى رؤيته للمرأة المبدعة وتجربتها، وخصوصاً تجربة هالة الكناني التي شكّلت علامة فارقة في محافظة ديالى وفي الساحة الفنية العراقية.. تحقيق ممتد يفتح الباب على ذاكرة حافلة بالتجارب، وعلى مسيرة ما زالت تتجدّد بالبحث والابتكار.
* استاذ صالح جريدة الزوراء ترحب بك ضيفا عزيزا .
ــ شكرا لكم .
* كيف تتذكّر طفولتك الأولى، وما علاقتها بنشأة موهبتك الفنية؟
ــ كانت طفولتي شبه عادية من ناحية الحياة اليومية، لكنها كانت مفعمة بالنشاط المستمر تجاه الرسم والسباحة والرياضة. كنتُ أرسم جدران بيتنا، وأمضي الكثير من الوقت في محاولة تصوير العالم من حولي بخطوط وألوان بسيطة تشبه أحلام الصغار. منذ المرحلة الابتدائية بدأت أرسم لوحات صغيرة، وفزتُ بالجائزة الأولى عام 1984 في إحدى مسابقات المدرسة. هذا الفوز كان دافعاً نفسياً كبيراً جعلني أشارك في مسابقات أخرى وأحقق مراكز متقدمة.
 حتى في المدرسة المتوسطة كانت لنا حصص خاصة بمادة الفنون، وهناك تعلّمت المبادئ الأولى عن الألوان والظلال والتكوين. وأستطيع القول إن هذه المرحلة كانت حجر الأساس في بناء وعيي الفني المبكر.
* مَن هم الأشخاص الذين كان لهم تأثير واضح عليك في تلك الفترة المبكرة؟
ــ كان الأصدقاء جزءاً مهماً من تكويني الفني. كنت أرسم معهم يومياً تقريباً، ومن بينهم من يحمل الاهتمام نفسه مثل الفنان ماهر الزبيدي وسعدي حمدون.
 أما على مستوى التشجيع، فلا أنسى دور معلم اللغة العربية الذي عرض أعمالي على معلم التربية الفنية، فأعجب بها أيّما إعجاب، وقال لي يومها إن لديّ موهبة تحتاج إلى عناية وتطوير. هذا الكلام كان يعني الكثير لطفل يحاول اكتشاف طريقه. كذلك كان لدعم عائلتي أثر كبير، فهم من فتحوا لي أبواب الثقة والاستمرار.
* كيف كانت بدايتك الأكاديمية الأولى عندما التحقت بمعهد الفنون الجميلة؟
ــ التحاقي بمعهد الفنون الجميلة في بغداد عام 1988 كان نقطة التحوّل الحقيقية في مساري. هناك درست الرسم والتصميم (الكرافيك)، وتدربت على رسم الشخصيات والطبيعة الصامتة، وتعرّفت على أساليب متعددة في الفن التشكيلي. الأساتذة كان لهم الفضل الكبير في صقل مهاراتي، ومنهم الأساتذة خالد الجادر وعبد الجبار البكري رحمهما الله. 
في هذه المرحلة بدأت أدرك أن الفن ليس مجرد هواية، بل هو علم قائم على دراسة وتدريب وممارسة مستمرة.
* تحدّثتَ سابقاً عن دراسة الخط العربي أيضاً، كيف دخل الخط في مسار الفن التشكيلي لديك؟
ــ الخط العربي كان شغفاً موازياً للرسم. درسته بجدية على يد الأستاذ عبد الرحيم الجميّل، الذي كان له دور بارز في صقل موهبتي ومنحي الثقة والأدوات اللازمة للاحتراف. وفي المرحلة الأخيرة من دراستي أشرف عليّ الأستاذ عبد الخالق الجابري والأستاذ سهيل الجبوري والأستاذ عادل الربيعي. 
كانت دراسة الخط تدرب العين على الدقة، واليد على الصبر، والذهن على الانسجام، وهذا انعكس لاحقاً على أعمالي التشكيلية بشكل واضح. شاركت مع زملائي مثل المعلم عبد الجبار حسون وعامر جبار البغدادي في مسابقات للخط داخل العراق وخارجه، وحققنا فيها مراتب متقدمة.
* كيف تصف مرحلة التخرّج وبدايات الاحتراف في المشهد التشكيلي؟
ــ عندما أنجزت مشروع التخرج، قرر الأساتذة أن أكون من الأوائل، وكانت تلك شهادة تثبيت على الطريق الذي اخترته. بعد التخرج بدأت اللقاءات مع نخبة من الفنانين الواقعيين العراقيين والعرب، وشاركت في معارض شخصية وجماعية. كانت هذه المشاركات مهمة جداً لأنها وضعتني على تماس مباشر مع الجمهور ومع النقاد، ومع تجارب فنية أوسع. الأعمال التي عرضتها لاحقاً نالت إعجاباً كبيراً، وأسهمت في إغناء الحركة التشكيلية العراقية بمفردات وأفكار جديدة.
* ما أول تجربة خارجية شاركت فيها، وكيف أثرت عليك؟
ــ كانت أول تجربة خارجية مهمة لي في سلطنة عُمان، حيث أقمت أول معرض شخصي هناك. هذه التجربة نقلتني من الإطار المحلي إلى الإطار العربي، وفتحت لي آفاقاً جديدة. هناك بدأت أدرك أن اللوحة العراقية تحمل خصوصيتها، وأن تقديمها للآخر يتيح لها فرصة الظهور والتأثير. كذلك منحتني التجربة القدرة على الاحتراف في التقنية، والاهتمام بالتفاصيل، والالتزام بالمعايير الفنية العالمية.
* كيف انعكست الظروف الاقتصادية والاجتماعية في العراق على مسارك الفني؟
ــ الظروف كانت صعبة، وهذا ما دفعني أحياناً للعودة إلى مجالي الدراسي في الكلية من أجل تحسين الوضع المعيشي. لكنّ الإصرار على الاستمرار في الفن كان يدفعني مرة أخرى للعودة إلى اللوحة وإلى العمل الثقافي. هذه الدائرة لم تكن سهلة، لكنها شكّلت شخصيتي وجعلتني أكثر قدرة على مواجهة التحديات وتنظيم الوقت والجهد.
* كان لك حضور إداري وثقافي في مؤسسات فنية، كيف تصف هذه التجربة؟
ــ هذه التجربة كانت امتداداً طبيعياً لمساري الفني. الموهبة وحدها لا تكفي، فالفن يحتاج إلى مؤسسات قوية تنظّم العمل وتطوره. من خلال علاقاتي الخاصة بالفنانين العراقيين استطعت أن أبني قاعدة متينة انعكست إيجابياً على مستوى أداء فرع الجمعية وعلى مستوى البلاد. عملنا على احتضان الفنانين الشباب من خريجي المعهد والكلية، ووفّرنا لهم فضاءات للتجربة والعرض والتطوير. كنت أرى أن دوري لا يقتصر على الرسم فقط، بل يشمل دعم الجيل الجديد.
* وكيف تصف مشاركاتك في المهرجانات العربية والدولية؟
ــ كانت مشاركاتي ذات أهمية كبيرة، فالمهرجانات تجمع فنانين من مختلف دول العالم، وهذا يتيح فرصاً واسعة للتفاعل والتعلم. كثير من الوفود المشاركة قامت باقتناء أعمالي، وهذا خلق تفاعلاً إنسانياً وجمالياً عميقاً. كذلك مثلت تلك المشاركات نافذة لعرض معاناة الشعب العراقي وفنونه وواقعه للعالم كله. من خلالها تمكنت من قياس موقع الفنان العراقي على الخارطة العالمية، ومدى قدرته على تحقيق مستوى ينافس عالمياً.
* كان لتجربة هالة الكناني مكانة بارزة في هذا المسار. كيف تصف حضورها؟
ــ هالة الكناني تمثل نموذجاً للمؤسسة الفنية التي تجمع بين الإدارة الرشيدة والحس الإبداعي. استطاعت من خلال علاقاتها الواسعة ونشاطها أن تحقق نقلة نوعية في الأداء الفني والإداري في محافظة ديالى. 
دعمت الفنانين الشباب، ونظمت فعاليات مميزة حظيت باهتمام واسع، وقدمت عروضاً في دول عديدة. كانت مثالاً للإدارة التي لا تبحث عن الظهور بل عن إسناد الآخرين. وقد منحتني تجربة العمل معها خبرة غنية في الإدارة والتخطيط والتواصل.
* كيف أثرت هذه التجربة على رؤيتك الشخصية؟
ــ من خلال هذه التجربة اكتسبت مهارات كبيرة في التعامل مع الفرق الفنية، وتنظيم الفعاليات، والتواصل مع الجهات الرسمية، كما تعمقت رؤيتي للفن بوصفه رسالة إنسانية تتجاوز حدود اللوحة. ساعدتني هذه التجربة على فهم أهمية العمل الجماعي، ودور المرأة المبدعة في بناء المشهد الثقافي. كذلك كشفت لي أبعاداً جديدة في الفنون البصرية والمسرحية والموسيقية.
* ما أثر البيئة المحلية، وخاصة مدينتك شهربان (المقدادية)، في شخصيتك الفنية؟
ــ أنا عاشق لهذه المدينة بكل تفاصيلها. فيها الجمال البسيط والطبيعة المتنوعة والبساتين التي تعلمت منها الصبر والتأمل. كنت أرى الأشجار كأنها تحية خضراء لمن زرعها، وكنت أستمد منها الكثير من الإلهام. ربما لهذا يبدو في أعمالي شيء من الهدوء الداخلي والحس الريفي الأصيل.
* كيف واجهت الإحباطات التي صادفتك في مسارك؟
ــ واجهت الكثير من الإحباطات النفسية بسبب ردود فعل قاسية من البعض، لكنّ قناعتي بأن النجاح رسالة إنسانية كانت تدفعني للاستمرار. لم أسعَ يوماً للتفرد بالرأي أو السيطرة، بل كنت أعمل بانسجام مع الجميع. كنت أؤمن بأن البصمة التي أريد تركها لا تُصنع بين يوم وليلة، بل تتطلب صبراً طويلاً.
* كيف تصف حضوركم في الفعاليات والمهرجانات العربية والعالمية؟
ــ شاركنا بعروض مسرحية وموسيقية وبصرية، وكانت هذه العروض تحمل رسائل إنسانية وجمالية. من خلالها برز حضور المرأة العراقية القادرة على الإبداع والتميز. كما نُفذت أعمال فنية في دول مختلفة، وآخرها نص مسرحي تم تدوينه في الأمم المتحدة للتعاون الثقافي (اليونسكو) للكاتب سهيل الهنداوي، وهو حدث مهم نفتخر به.
* ما الدور الذي لعبته جمعية ديالى في تطوير المشهد الفني؟
ــ كان لجمعية ديالى دور مهم جداً في تطوير المهارات وتنظيم الأنشطة. من خلال المهرجانات المتعددة في المحافظة، شهدت الفعاليات حضوراً واسعاً ونجحت في بناء علاقات ثقافية مع فنانين من مختلف محافظات العراق. وقد قاد هذا الحراك إلى إظهار صورة مشرقة للمحافظة داخل العراق وخارجه.
ــ ما الرؤية المستقبلية التي تؤمن بها اليوم؟
ــ أؤمن بأن العمل الفني لا يتوقف، وأن الفنان الحقيقي هو الذي يواصل البحث والتجريب والتجدد. أسعى دائماً إلى أن أكون مثالاً في العمل الإنساني والإبداعي، وأن أترك أثراً يتذكره الجيل القادم. كما أطمح إلى أن تستمر المؤسسات الفنية في دعم الشباب، وأن تُقدَّم الفنون العراقية بما تستحقه من حضور عالمي.
* شكرا جزيلا، وبارك الله كل خطوة وكل ابداع تقدمه.
 


تابعنا على
تصميم وتطوير