رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
من البقرة إلى المائدة رحلة الحليب في الريف العراقي


المشاهدات 1798
تاريخ الإضافة 2025/11/16 - 9:01 PM
آخر تحديث 2025/11/23 - 8:37 PM

تحتلّ منتجات الحليب مكانة خاصة في ذاكرة الريف العراقي، فهي ليست مجرد غذاء يومي، بل جزء من طقوس حياةٍ تمتد جذورها إلى أجيال طويلة. تبدأ الرحلة منذ الصباح الباكر حين تستيقظ العائلة الريفية على صوت الأبقار في الحظيرة. تتقدّم ربّة البيت أو أحد أفراد الأسرة لجلب الحليب الطازج، في مشهد يومي يرتبط بالنقاء والبساطة ودفء العلاقات داخل المزرعة.
بعد الحلب مباشرة، يُصفّى الحليب ويُترك ليستقرّ قليلاً قبل أن يُقسَّم لاستخدامات متعددة. فجزء منه يُغلى ليُقدَّم ساخناً للأطفال والكهول، بينما يُحوَّل الجزء الآخر إلى لبن رائب عبر إضافته إلى خميرةٍ محفوظة من اليوم السابق. أما القشطة، فتُجمَع من سطح الحليب المغلي وتُستخدم في إعداد الفطور التقليدي، أو تُحفظ لاستخدامها في الحلويات والمناسبات.
وتبرز في هذه الرحلة أدوات ريفية قديمة لها حضور عميق في الذاكرة، مثل  المخضّة  التي تُحرَّك فيها القشطة لإنتاج الزبد، و القِرب المصنوعة من الجلد لحفظ اللبن، و التشط  الذي يُستخدم في التصفية والتجميع. كما يلجأ أهل الريف إلى طرق تقليدية لحفظ الحليب ومشتقاته، عبر التخمير أو التجفيف، لإعداد الجبن واللبن الخاثر والسمن العربي الذي يعدّ من أهم المواد الغذائية المخزّنة للمواسم.
لم تكن منتجات الحليب مجرد طعام، بل كانت عنصراً اقتصادياً يساهم في دخل العائلة، حيث تُباع الفائضات في الأسواق أو تُبادل مع الجيران بمنتجات أخرى. وهكذا تبقى رحلة الحليب في الريف العراقي شاهداً على نمط حياة بسيط، قائم على العمل المشترك، والاعتماد على الطبيعة، واحترام دورة الغذاء التي تبدأ من البقرة وتنتهي على المائدة ببركة ورضا.
 


تابعنا على
تصميم وتطوير