
شهدت العاصمة السورية دمشق حالة من التوتر والغموض بعد أن اخترق دوي انفجار عنيف الهدوء، مستهدفا حي المزة الغربي بصاروخين من نوع «كاتيوشا».
وكشف مصدر عسكري سوري أن وزارتي الدفاع والداخلية فتحتا تحقيقا عاجلا مشتركا لكشف ملابسات ما وصفته بـ «الاعتداء الغادر»، لكن السؤال عن هوية الفاعل يظل معلقا، ملقيا بظلال من عدم اليقين على واحدة من أكثر المناطق حساسية في العاصمة.
ووقعت الحادثة في منطقة المزة 86، وهي حي سكني يعج بالحياة، حيث سقط الصاروخان على منزل مدني، ما أسفر عن إصابة امرأة بجروح متوسطة، وفقا لمديرية الإسعاف والطوارئ في وزارة الصحة.
وأظهرت صور متداولة بثها التلفزيون الرسمي آثار الدمار في الغرفة المستهدفة، حيث بدت فجوة واضحة في الجدار والمحتويات مبعثرة، في دليل مادي على قوة الانفجار الذي تردد صداه في أحياء دمشق المجاورة.
وأكد السكان المحليون سماع «دوي انفجار سبقه صوت يشبه صوت صاروخ عند سقوطه»، ما يشير إلى أن الهجوم كان مفاجئا ومخططا له.
ونقلت وكالة الأنباء الرسمية «سانا» عن مصدر عسكري تأكيده أن «الاعتداء الغادر... كان بواسطة صواريخ أطلقت من منصة متحركة»، مشددا على أن «الجهات التي تقف خلف الاستهداف وأداة الاستهداف لا تزال مجهولة حتى الآن».وتعد هذه النقطة هي محور الغموض الأبرز، إذ إن استخدام منصة متحركة يشير إلى احترافية في التنفيذ تهدف إلى ضمان الإخفاء والانسحاب السريع، ما يصعّب مهمة تتبع مصدر الإطلاق.
وأعلنت إدارة الإعلام والاتصال في وزارة الدفاع السورية في وقت لاحق تفاصيل إضافية، مشيرة إلى أن الصاروخين أُطلقا «من أطراف المدينة باتجاه الأحياء السكنية»، وتعهدت بأنها لن تتوانى عن «ملاحقة المسؤولين عن هذا العمل الإجرامي، وستتخذ الإجراءات الرادعة بحق كل من يعبث بأمن العاصمة».
وركزت الوزارة في تصريحها على الطابع الإجرامي للهجوم الذي استهدف المدنيين بشكل مباشر، ما يجعله يخرج عن سياق الاشتباكات العسكرية التقليدية، ويدخله في نطاق الأعمال التي تهدد الاستقرار الداخلي.
وجاء الهجوم الصاروخي في حي المزة ليعيد فتح ملف التساؤلات حول طبيعة الاستهدافات الأمنية في دمشق.وأعلنت هيئة البث الإسرائيلية نقلا عن مسؤول إسرائيلي «لا علاقة لتل أبيب بالانفجار الذي وقع في دمشق»، وهو نفي غير معتاد في سياق الضربات التي غالبا ما تنسب لإسرائيل وتطال أهدافا عسكرية أو قيادات في محيط العاصمة.ويضع النفي الإسرائيلي، مزيدا من علامات الاستفهام حول مصدر الهجوم، كما يفتح الباب أمام عدة خلفيات محتملة.ويحتمل أن تكون جهة معارضة للنظام السوري الجديد، سواء كانت خلية نائمة داخل المدينة أو مجموعة في محيطها القريب، قد تمكنت من استغلال التراخي الأمني النسبي، ونجحت في تنفيذ هجوم «سريع وبدائي نسبياً» عبر استخدام صواريخ كاتيوشا انطلاقا من منصة متحركة، تهدف لضمان السرعة والإخفاء الفوري، وهي عملية تعتمد على إحداث صدى إعلامي وأمني دون الحاجة لقدرات عسكرية متقدمة.
ويمكن أيضا أن يشير الغموض المتعمد في تحديد مصدر النيران إلى عملية تصفية حسابات أو تبادل لرسائل إنذار موجهة بين أطراف محلية متنافسة داخل دائرة النفوذ.
وتعتمد هذه الفرضية على أن استهداف منطقة حساسة كالمزة، التي تضم مقرات أمنية وعسكرية، يبعث برسالة واضحة حول القدرة على الوصول إلى عمق العاصمة، حتى وإن كان الهدف المباشر (المنزل المدني) هو مجرد غطاء أو ضريبة جانبية.
وقد تكون في الوقت ذاته جهة إقليمية أخرى تسعى لزعزعة الأمن والاستقرار في العاصمة دون تحمل مسؤولية مباشرة، سعيا لإثارة الفوضى وإرباك المشهد الأمني الداخلي السوري.ويعزز هذه الفرضية الأهمية الاستراتيجية لمنطقة المزة، التي غالبا ما تكون هدفا لحساسيتها، ما يجعلها موقعا مثاليا لإطلاق «طلقات تحذير» أو «رسائل ضغط» بأدوات يسهل التخلي عن مسؤوليتها.
وتجري قوات الدفاع والأمن «تحقيقاتها لمعرفة ملابسات الحادثة وملاحقة الفاعلين»، في إشارة إلى أن طبيعة العملية تبدو غامضة وغير نمطية.
وفرضت القوات الأمنية طوقا أمنيا مشددا حول المنطقة المستهدفة لجمع الأدلة وتحديد مسار الصواريخ ومصادر الإطلاق، مؤكدة أنها تبذل «جهودا كبيرة... لوضع الرأي العام بجميع التفاصيل تباعا».
ويمثل استهداف حي المزة 86، وهو حي مكتظ بالمدنيين، تطورا خطيرا في نوعية العمليات التي تستهدف العاصمة، حتى وإن كانت الصواريخ بدائية.
وتظهر الحادثة هشاشة أمنية محتملة، حيث نجحت «منصة متحركة» في الاقتراب من محيط دمشق وإطلاق صواريخ على قلب المدينة، ما يشكل تحديا جديدا للأجهزة الأمنية في تأمين العاصمة، ويجدد قلق السكان بشأن استمرار شبح العنف المجهول الذي لا يميز بين هدف عسكري أو مدني.
وتبقى الأنظار مسلطة على نتائج التحقيقات المشتركة، التي يتوقع أن تكشف عن المزيد من التفاصيل حول طبيعة الصواريخ المستخدمة ومكان إطلاقها تحديدا، في محاولة لفك شيفرة هذه الهجمات التي تبقي الفاعل طي الكتمان.
وفي السياق قالت مصادر سورية إنّ 3 انفجارات هزّت منطقة المزة 86 المطلة على طريق قصر الشعب في العاصمة دمشق، ما أدى إلى استنفار أمني واسع وفرض طوق مشدد حول موقع الانفجارات.
ووفق المعلومات الأولية، هرعت سيارات الإسعاف إلى المكان، وسط أنباء عن وقوع إصابات، من بينها إصابة امرأة.
وفي الوقت ذاته، قال مصدر عسكري سوري إنّ» الاعتداء الغادر على مناطق بالعاصمة دمشق كان بواسطة صواريخ أطلقت من منصة متحركة»، مشيرًا إلى أنّ «الجهات التي تقف خلف الاستهداف وأداة التنفيذ لا تزال مجهولة حتى الآن»، مؤكداً أنّ «الوزارات المختصة تبذل جهوداً لمتابعة ملابسات الهجوم ووضع الرأي العام في صورة التفاصيل تباعاً».
ويأتي هذا التطور في ظل تزايد الحوادث الأمنية في مناطق سيطرة الحكومة خلال الأسابيع الأخيرة، فيما أشار المرصد السوري إلى حساسية منطقة المزة 86 التي يقطنها عدد كبير من أبناء الطائفة العلوية، لافتاً إلى أنّ أي استهداف فيها يثير مخاوف من تصعيد أمني أوسع.