
يمثل الكاتب والصحفي زيد الحلي نموذجاً فريداً في تاريخ الصحافة العراقية، فهو أول صحفي يُقبل في نقابة الصحفيين العراقيين بعمر السابعة عشرة، وأحد أبرز من أسهموا في تطوير الصحافة الفنية والإذاعية. امتدت رحلته المهنية لأكثر من سبعين عاماً، مزج فيها بين شغف الكلمة وصدق الانتماء، حتى غدت سيرته مرآةً لذاكرة الصحافة العراقية.
من الحلة إلى بغداد.
البدايات الأولى
ولد زيد الحلي في مدينة الحلة عام 1947 وانتقل مع أسرته إلى بغداد، حيث بدأت ملامح شغفه بالصحافة منذ طفولته، عندما كان يطالع الصحف القديمة التي كان والده يجلبها للمطعم العائلي.
أول خبر وأول توقيع في «الفجر الجديد»
في مرحلة مبكرة كتب أول أخباره ونُشر في جريدة الفجر الجديد ، ليكون ذلك انطلاقته المهنية الحقيقية، ودرساً أول في أهمية الدقة والصدق الصحفي.
مراسل فني بعمر السابعة عشرة
لم يتجاوز السابعة عشرة حين أصبح مراسلاً لمجلة لبنانية وسافر إلى بيروت ثم القاهرة، ليجري لقاءات مع كبار الفنانين العرب، في تجربة مبكرة نادرة لشاب عراقي.
في مدرسة “العرب” البغدادية
عمل في جريدة العرب مشرفاً على صفحة “الفنون”، مجسداً أسلوباً يجمع بين الأصالة والحداثة، ومؤسساً لمدرسة صحفية فنية جديدة.
إضاءات على المبدعين وبصمات لا تُنسى
قدّم خلال مسيرته أسماء لامعة في الفن والثقافة العراقية مثل عوني كرومي وسعدي الحلي وحسين نعمة، مثبتاً أن الصحافة عنده رسالة لا مهنة، وذاكرة تتجدد بالوفاء.
زيد الحلي ليس مجرد صحفي عراقي آخر؛ بل هو أحد أعمدة الصحافة العراقية التي تشبّعت بالتحولات السياسية والاجتماعية والثقافية منذ منتصف القرن العشرين. من مدينة الحلة إلى بغداد، ومن أولى مقالاته كطالب إلى عضوية مجلس نقابة الصحفيين العراقيين لست دورات، ومن التغريد في الصحافة الرياضية والفنية إلى الكلمة التي ترصد نبض المجتمع، ظلّ الحلي علامة لخبرة مهنية تمتد لأكثر من نصف قرن. لقد وثّق التجربة العراقية عبر الصحافة، مساهماً في الحوار الثقافي، وراصداً لتقلبات الواقع، وناشراً للوعي الإعلامي.
النشأة والبذور الأولى
ولد زيد الحلي في 22 أيّار 1947 في مدينة الحلة بمحافظة واسط، في محلة «الوردية» قرب نهر الفرات. وعندما كان عمره عاماً أو قليلاً انتقلت عائلته إلى بغداد وانخرط والدُه في فتح مطعمٍ شهير في كرخ بغداد.
من طفولته المبكرة بدأت تتبلور عنده ملامح الفضول الصحفي: كان يقرأ الصحف التي يأتي بها والده، يطالع الصور والرسوم، ثم بدأ في المدرسة يشارك في مسابقات الخطابة ويشعر أن الصحافة «أجنحة نشأت في داخلي». وهكذا، بدأ الحلي رحلته الصحفية من رفض المدرسة إلى عشق المهنة؛ حيث قال إن الشغف بدأ في عروقه مثل بركانٍ لا يستطيع أحد إخماده.
الانطلاقة الصحفية والمهنية
حينما كان في المرحلة المتوسطة، ذهب إلى مطعمٍ وصادف محرراً رياضياً في جريدة “الفجر الجديد”، وقدمه والده لهذا الصحفي الذي كلّفه بتزويد الصحيفة بأخبار الملاعب الشعبية. ونشرت له أول خبر يحمل اسمه في «الفجر الجديد».
لاحقاً، في حوالي عام 1964، انضم إلى صحيفة جريدة العرب البغدادية، ليشرف على صفحة «الفنون» ويطوّر فيها الأسلوب الصحفي الذي يجمع بين الأصالة والحداثة.
كما تلقى دورات مهنية: من المعهد القومي للصحفيين العرب عام 1976، ودورتان من كلية التضامن في المجر، ورابعة من معهد يوليوس فوجم في براغ عام 1989.
الإسهامات والتأثير
– ساهم في اكتشاف ودعم عدد من الفنانين العراقيين في الفترات المبكرة، مثل سعدي الحلي وحسين نعمة وعلاء حسين بشير.
– كتب بشكل مستمر في عمود صحفي تناول فيه القضايا الاجتماعية والثقافية والسياسية، واعتُبر مرآةً لواقع العراق.
– ترأّس لجاناً متعددة في نقابة الصحفيين العراقيين، بما في ذلك اللجان المهنية والثقافية، وكان يُعاد انتخابه لست دورات متتالية رغم الضغوط السياسية والانتخابية.
اختار زيد الحلي أن يكون صحفياً مهنياً، لا مجرد مراسل “هواية”. ومن خلال قوله “الصحافة هي الصدق والدقة والحرية” يتضح أن لديه معياراً مهنياً كان يدافع عنه دائماً.
الملامح السياسية والاجتماعية لعصره
أثناء عمله، مرّ العراق بتحولات كبيرة – من الثورة في 1958 إلى فترة الحكم البعثي – وغطّت كتاباته حقباً مختلفة. كتابه «50 عاماً في الصحافة» يُعد سجلاً لحياة الصحافة العراقية.
التركيز على الثقافة والفن
لم يقتصر دوره على السياسة، بل اهتم بالفن والإعلام والإذاعة، مما جعل منه جسراً بين الصحافة والفن العراقي.
الذاكرة والتوثيق جمع الوثائق والصور وسجّل خبراته، فكتب ليس فقط لنشر اليوم، بل للحفظ وللمستقبل، وهو أمر نادر في الصحافة العراقية.