رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
المفترس يعود.. صيدٌ على أطراف الحضارة


المشاهدات 1187
تاريخ الإضافة 2025/11/12 - 12:16 AM
آخر تحديث 2025/11/16 - 7:56 PM

لا يدخل الفيلم رافعًا الصوت ولا يلهث وراء لقطةٍ كبرى كل دقيقة. يبدأ هادئًا، يمهّد للمكان أولًا: أرض قاحلة تتناوب فيها الريح والغبار، طرق مهجورة، ومستوطنات على أطراف الحضارة تبدو كأنها وُضعت على خريطة خطر. من هنا يقدّم Badlands عودته للسلسلة بروح أقرب إلى Prey من حيث التركيز والصرامة: مفترس واحد، فرائس محدودة، وقصة تُبنى على صيدٍ متبادل لا على ضوضاءٍ متواصلة.
الفكرة بسيطة كما يجب: مجموعة بشرية، فريق إنفاذ قانون محلي، وناجون متفرّقون تُجبَر على التحالف حين يهبط الصيّاد الفضائي في منطقة نائية. الفيلم لا يطيل الشرح في “من هو؟” و“لماذا جاء؟”؛ السلسلة معروفة، والرهان هنا على كيف تُدار اللعبة هذه المرّة. اللعبة تُدار بأنفاسٍ محسوبة: تعقّب، آثار أقدام، دمٌ فلوريّ يلمع على صخرة، وأجساد تتحرّك بحذر لأن خطوةً خاطئة قد تفضح الحرارة من خلف صخرةٍ باردة.
إخراج الفيلم (من الفريق الذي قدّم Prey) يضع الصورة قبل الخطابة. اللقطات العريضة تُعرّف جغرافيا المطاردة: أين التلّ وأين الوادي، من أين ستأتي الرصاصة، وأين قد يظهر الانكسار في التمويه البصري للمفترس فوق خلفية رملٍ تتحرّك مع الهواء. وعندما يقترب الكادر، يقترب لسبب: كفّ تزيح التراب عن أثرٍ قديم، عينٌ تتّسع وهي تلمح انعكاسًا في مرآةٍ مكسورة، حبلٌ يُشدّ بهدوء فوق ممرّ ضيّق. لا اهتزاز مرهقًا للعين؛ المطاردة مفهومة، والقرار التالي يُقرأ من ترتيب العناصر في الكادر أكثر مما يُقال في جملة.
على مستوى الصوت، يَدين الفيلم لروح السلسلة الكلاسيكية ثم يطوّعها: النقرات المعدنية والهدير القصير للمفترس يعودان كعلامات إنذار، لكن تصميم الصوت يستثمر صمت الصحراء نفسه كسلاح. تسمع صرير الجلد على حافة السلاح، صفير الريح وهي تقطع بين الصخور، وفرقعةً خاطفة حين تَخون خطوةٌ الوزن على أرضٍ رخوة. الموسيقى تأتي على خفيف؛ خطوط إيقاعية تُرفع في لحظات الرصد، ثم تنسحب لتترك الضوضاء الطبيعية تقوم بدورها. الفيلم يوازن بين مؤثّرات عملية ومرئيّات رقمية من غير عرض عضلات. خوذة الرؤية الحرارية والأقنعة الشفّافة تُرى بوضوح، لكن ثقل الاشتباك يحافظ على ملمس واقعي: سقوطٌ له وزن، جرحٌ له صدى، وبيئةٌ تُؤذي قبل أن تُزيّن. السلاح الأيقوني يطلّ، نعم، لكنّه ليس بطل الحكاية الوحيد؛ البيئة بطلٌ موازٍ: حرارة النهار، العتمة المقطّعة لليل، والغبار الذي يفضح الحركة كما يحجبها.
الأداءات تُبنى على الاقتصاد: لا خطب بطولية ولا نكات تُكسر الحدث. وجوه متعبة تتعلّم بسرعة معنى أن تواجه خصمًا لا يفهم “الإنذارات” بل يقرأ الإشارات.
 في منتصف الطريق تقريبًا، يتبدّل ميزان الصيد لا لأن البشر أصبحوا فجأةً خارقين، بل لأن فهم المكان يخلق أفضلية لحظية، والفيلم يعرف كيف يشحن تلك اللحظات لتصنع توترًا حقيقيًا من غير مبالغة. قيمة Badlands أنّه يُعيد السلسلة إلى قاعدتها الأولى: فكرة بسيطة تُنفَّذ بإحكام. لا توسّع في الأسطورة، لا شروحات ميتافيزيقية، بل مواجهة تُصاغ من تتبّعٍ ومباغتةٍ ومهارةٍ في قراءة المشهد. ومن دون إفراط في الدم أو الإيحاءات، ينجح العمل في صنع رعبٍ ميداني: الخوف يأتي من أنفاسك التي قد تُكتشف، من حرارة جسدٍ لا تستطيع إخفاءها، ومن ذكاء خصمٍ يقيسك كما تقيسه.
هناك مطبّات؟ بعض القرارات المتوقّعة التي “يستلزمها” النوع، ولحظات كان يمكن شدّها أكثر زمنًا. 
لكن الصورة النظيفة، وحسّ المكان، واستعادة روح المطاردة الذكية تجعل هذه العثرات عابرة. في النهاية، Predator: Badlands ليس محاولة لتغيير قواعد اللعبة، بل تذكيرٌ بلماذا أحببناها: لأن الصيد يصبح سينما حين تُدار اللقطة بالعقل قبل الزناد، وحين يقول التراب والظلّ ما لا يقوله الحوار.
 


تابعنا على
تصميم وتطوير