
بينما لم يكن البرنامج الإنتخابي لشاعر بوزن أبو الطيب المتنبي, الشاعر العباسي الشهير سوى بيت واحد من الشعر فإن الأمر بدا مختلفا بالنسبة للشاعر عمرو بن كلثوم, الشاعر الجاهلي الشهير وأحد شعراء المعلقات التي إحترنا بين أن تكون سبعا أم عشرا. فالمتنبي لخص كل برنامجه ببيت شعر واحد هو “لاخيل عندك تهديها ولا مال .. فليسعد النطق إن لم تسعد الحال”. طبق المتنبي برنامجه الإنتخابي دررا شعرية بقيت خالدة مع الزمن دون أن يعد أحدا بتعيينه في بلاط سيف الدولة أو حتى كافور الأخشيدي أيام كانت العلاقة بينهما “دبس ودهن” قبل أن تتحول الى معارك هجائية أكثرها تأدبا قوله “لاتشتر العبد الإ والعصا معه”.
هذا ماكان من أمر المتنبي الذي بقي نطقه يسعد الممدوحين في حين بقيت حاله عند حدود الأمنية في ولاية وتذكر الماضي التليد الذي قوامه جدته التي كانت “بنت أكرم والد” كما كان يقول بحقها بينما بقي أمر الجدة وأمر المؤرخين غامضا في شأنها مثل أحداث كثيرة في تاريخنا لا نعرف لها رأسا ولا رجلين أحيانا. أما ما كان من أمر سلفه الشاعر الجاهلي وأحد اقطاب المعلقات عمرو بن كلثوم التغلبي فإنه يبدو مختلفا. فبرنامج هذا الشاعر الإنتخابي الحافل مثلما عرضه في معلقته الشهيرة تحول فيما بعد الى وبال على أبناء عشيرته الذين فتنوا بـ “ملخيات” إبنهم البار دون أن يسألوه عن وظيفة لخريجيهم أيام زمان ولم يلزموه بتبليط شارع ولا إيصال ماء صالح للشرب الى الحي الذي تتأكثر فيه ابياته الشهيرة التي خاطب بها ملك الحيرة عمرو بن هند معلقة على أعمدة خيم القبيلة.
وحيث أن تلك القصيدة تحولت الى نشيد وطني لبني تغلب فقد لخصها فيما بعد منتقدوه حين لم يتحقق منها شيء بقولهم “الهى بنو تغلب عن كل مكرمة .. قصيدة قالها عمرو بن كلثوم”. وبن كلثوم هذا وقف مخاطبا الملك عمرو بن هند ملك الحيرة المكنى أبا هند قائلا “أَبَا هِنْـدٍ فَلاَ تَعْجَـلْ عَلَيْنَـا .. وَأَنْظِـرْنَا نُخَبِّـرْكَ اليَقِيْنَــا” ماهو اليقين الذي أراد بن كلثوم إخبار بن هند به “بِأَنَّا نُـوْرِدُ الـرَّايَاتِ بِيْضـاً .. وَنُصْـدِرُهُنَّ حُمْراً قَدْ رُوِيْنَـا”. ومع الحماسة التي بدأت تتفاقم وإنتفاخ الأوداج و”الملخيات” واصل بن كلثوم هجومه الكاسح على الملك الذي قيل أن إمه هند أهانت أم بن كلثوم “وَأَيَّـامٍ لَنَـا غُـرٍّ طِــوَالٍ عَصَيْنَـا المَلِكَ فِيهَا أَنْ نَدِيْنَـا. نُطَـاعِنُ مَا تَرَاخَى النَّاسُ عَنَّـا وَنَضْرِبُ بِالسِّيُوْفِ إِذَا غُشِيْنَـا”.
كان بن هند يصغي وبن كلثوم يصعد فيما كان السيف يقضم رويدا رويدا يد بن كلثوم حتى قطعت مثلما يبالغ بعض المؤرخين .. فابن كلثوم وفي ذروة حماسته يخاطب خصمه بالقول “أَلاَ لاَ يَجْهَلَـنَّ أَحَـدٌ عَلَيْنَـا فَنَجْهَـلَ فَوْقَ جَهْلِ الجَاهِلِيْنَـا بِاَيِّ مَشِيْئَـةٍ عَمْـرُو بْنَ هِنْـدٍ نَكُـوْنُ لِقَيْلِكُـمْ فِيْهَا قَطِيْنَـا”. والسؤال هل تختلف “ملخيات” بن كلثوم عن برامج ربعنا المملوءة وعودا غير قابلة للتطبيق وأنا متضخمة للبعض منهم ممن يرون أنهم في حال وصلوا قبة البرلمان سوف يحلون ما ظهر من مشاكلنا وأزماتنا وما بطن.