رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
هولندا 2025 المهاجرون يصنعون المفاجأة


المشاهدات 1389
تاريخ الإضافة 2025/11/03 - 9:49 PM
آخر تحديث 2025/11/16 - 2:43 PM

في المهجر وفيما نحن -العراقيين- ترنو انظارنا  الى الواقع السياسي العراقي وما قد تفرزه المرحلة القادمة من نتائج انتخابية جديدة، شهدت هولندا واحدة من أكثر الانتخابات التشريعية مفاجأة في تاريخها الحديث، حيث نجحت الأحزاب اليسارية في كسر احتكار اليمين الشعبوي للسلطة، الذي استمر لعقدين من الزمن، لتفتح صفحة جديدة في السياسة الهولندية وعنوانها التعايش، والانفتاح مع المهاجرين.
نتائج انتخابات 2025، التي أجريت الأسبوع الماضي، قلبت الموازين بشكل غير متوقع، إذ حصد حزب الديمقراطيين (D66) نحو 28 مقعدًا في البرلمان، متقدمًا على حزب الحرية (pvv) بزعامة السياسي المثير للجدل (خيرت فيلدرز) الذي تراجع إلى 25 مقعدًا فقط بعد أن كان القوة الأولى في انتخابات 2023. فيما جاء الحزب الليبرالي(VVD ) ثالثًابـ23 مقعدًا، وتحالف الخضر والعمال (GroenLinks-PvdA) رابعًا بنحو 20 مقعدًا.
   تصويت المهاجرين… مفاجأة قلبت المشهد
النتائج فاجأت المحللين، ليس فقط بسبب عودة اليسار، بل لأن العامل الحاسم فيها كان صوت المهاجرين. فعلى الرغم من أن مئات الآلاف من المهاجرين في هولندا يمتلكون حق التصويت، فإن غالبيتهم كانت لعقودٍ تعزف عن المشاركة السياسية. لكن هذه المرة تغيّر المشهد كليًا.ويرى مراقبون أن التصريحات المستفزة لليمين المتطرف، التي استهدفت المسلمين والمهاجرين على مدى السنوات الماضية، كانت الشرارة التي دفعت هذه الشريحة إلى التحرك، والمشاركة الواسعة في صناديق الاقتراع. إذ قرر المهاجرون، ومعظمهم من أصول مغربية وتركية ودول عربية اخرى، أن يستخدموا أصواتهم كسلاحٍ ديمقراطي للرد على خطاب الكراهية. وكانت النتيجة واضحة. فهزيمة (فيلدرز) حملت رمزية كبيرة داخل هولندا وخارجها. الرجل الذي بنى مسيرته السياسية على التحريض ضد الإسلام، واشتهر بفيلمه المثير للجدل (فتنة) عام 2008 الذي حاول فيه الربط بين الإسلام والعنف، وجد نفسه اليوم أمام واقع جديد. الناخب الهولندي الى جانب المهاجر اختار التعايش على الانقسام. كما أن الخطاب اليميني المتشدد الذي دعا إلى إغلاق المساجد وحظر الحجاب، لم يعد يجد الصدى الذي كان يحظى به قبل سنوات، ما يعكس تغيرا عميقا في المزاج الشعبي الهولندي، خاصة في المدن الكبرى التي تضم جاليات مسلمة كبيرة.
إلى جانب الشأن الداخلي، فإن فوز اليسار الهولندي قد ينعكس على السياسة الخارجية أيضًا، لا سيما في الملف الفلسطيني، حيث تُعرف أحزاب مثل (الخضر والعمال) و(الديمقراطيين 66) بمواقفهما المؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني. ففي تموز- يوليو الماضي، قدّم الحزبان مذكرةً للبرلمان الهولندي دعت إلى الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين، واعتبرت ذلك خطوة أساسية لتحقيق السلام العادلفي الشرق الأوسط. ومع تعزيز تمثيلهما داخل البرلمان الجديد، يتوقع مراقبون أن يتزايد حضور القضية الفلسطينية في الخطاب السياسي الهولندي، بعد سنوات من الفتور والانحياز للموقف الإسرائيلي.
أما بالنسبة للجاليات المسلمة في هولندا، التي يتجاوز عددها المليون نسمة، فإن فوز اليسار لا يُقرأ فقط كتحوّل سياسي، بل كـ»استعادة مكانة سابقة.  فالمسلمون والمهاجرون الذين طالما عانوا من حملات التحريض الإعلامي والسياسي، يشعرون اليوم بأن أصواتهم أحدثت فرقا، وأن المشاركة السياسية يمكن أن تحميهم وتمنحهم تمثيلا حقيقيا. اما الأحزاب اليسارية فطالما نظرت إلى التنوع الثقافي والديني على أنه مصدر غني لجذب الأصوات لها، وليس تهديدًا لهولندا، وهو ما يُتوقع أن ينعكس في سياسات أكثر شمولاً و تنوعاً في المرحلة المقبلة. من أمستردام إلى بغداد… فهل تتكرر التجربة؟
ما حدث في هولندا لا يخصها وحدها، بل ربما يحمل رسالة أبعد. فحين قرر المهاجرون هناك أن يشاركوا في الانتخابات، تغيّر الواقع السياسي برمته. وحين يقرر العراقيون، فيما هم مقبلون على انتخابات هذا الشهر، أن يتخلوا عن فكرة «الصوت لا يغيّر شيئًا»، وأن يتوجهوا إلى صناديق الاقتراع إيماناً منهم بالقدرة على التغيير، يمكننا حينها أن نشهد نحن أيضًا تحوّلات حقيقية. الديمقراطية لا تعمل إلا عندما نستخدمها بشكلٍ سليم، والتجربة الهولندية في 2025 خير مثال.
 


تابعنا على
تصميم وتطوير