في ظل التطورات المتسارعة بين إيران والعدو الاسرائيلي، والانخراط الأميركي المباشر في استهداف المنشآت النووية، يترسّخ شعور عالمي بأن النظام الدولي يقترب من لحظة تحوّل جذرية. الاتصالات بين العواصم الكبرى كثيفة، الحركة الدبلوماسية مضطربة، والمشهد الإقليمي بات أكثر اشتعالاً من أي وقت مضى، ما يشير إلى أننا أمام لحظة ذروة جيوسياسية قد تعيد رسم توازنات القوة. لم تعد الحرائق السياسية والأمنية محصورة في بقعة واحدة؛ فالارتدادات تطال أوروبا، من خلال تداعيات أمن الطاقة والتصعيد العسكري، وتمتد إلى الخليج حيث التوازن الدقيق بين المصالح الغربية والعلاقات الإقليمية مهدد بالانفجار. أما روسيا، فتواجه خطر خسارة أحد أهم حلفائها إذا ما تم تحجيم إيران عسكرياً، ما يفتح باباً لاحتمال تفكك المحور الشرقي الذي تشكّل كقوة موازية للغرب في العقد الأخير. تركيا، بدورها، تقف في مفترق طرق دقيق. بين التزاماتها الأطلسية وعلاقاتها المعقّدة مع روسيا وإيران، يجد النظام التركي نفسه في «خندقين» متناقضين، بينما تبقى قاعدة إنجرليك ورقة ضغط استراتيجية، قد تستخدمها القوى الغربية في أي لحظة.
لكن وسط هذا الحريق الكبير، تقف الصين في موقع مختلف. رغم علاقتها الاستراتيجية مع كل من روسيا، وإيران، إلا أن بكين قد تكون المستفيد الأكبر من هذا التصعيد. إذ يمنحها الوضع فرصة لإعادة تشكيل مسارات تجارتها العالمية، وضرب الهيمنة الغربية على النظام الاقتصادي، وكأنها بحاجة إلى «صاعقة كهربائية» تعيد إحياء المبادرة الصينية الكبرى (Belt and Road) على أنقاض الفوضى الدولية.
ما نشهده ليس مجرد حرب بين طهران وتل أبيب، بل زلزال جيوسياسي يحمل في طياته انهيارات محتملة لتحالفات دولية، وتشكّلاً لعالم جديد تُعاد فيه كتابة قواعد اللعبة. السؤال لم يعد: من سيطلق الشرارة التالية؟ بل: من سينجو من تداعيات الانفجار؟ فالشرق الأوسط، الذي ظل لعقود ساحة للحروب بالوكالة، مهدد اليوم بأن يكون مركز الصراع المباشر بين القوى النووية. ومن هنا، فإن أي انزلاق نحو المواجهة الشاملة قد يُخرج الأمور عن السيطرة. المعادلة اليوم لا تقف فقط عند حدود السلاح والسياسة، بل تشمل الاقتصاد، الإعلام، والوعي الشعبي. والعالم، بكل أطرافه، على موعد مع تغيير لا يبدو أن أحداً مستعد له بالكامل.
ومع ذلك، فإن أهم ما في هذه المرحلة ليس فقط مَن يملك القوّة، بل مَن يملك البصيرة. العالم يعيش مخاضاً عسيراً، قد يُنتج نظاماً جديداً أو يدخلنا في فوضى لا نهاية لها. وبين الترقب والقرارات المصيرية، تبقى الشعوب وحدها مَن يدفع الثمن الأكبر.