تعرض تاريخ صالح اليوسفي الصحفي للكثير من الاهمال في كتابات الباحثين باللغة العربية وأغلب من كتب عنه كانوا من الأكراد بالرغم من انهم كتبوا عنه باللغة العربية.
وقد أبحر صالح اليوسفي في بحر تتراطم موجاته بعنف سياسي امتلأ بالدم لم يلبث أن ناله شخصياً عندما انفجرت بين يديه رسالة مفخخة في منزله ببغداد.
وكان اليوسفي مخلصاً لما آمن به ومخلصاً للقيادة الكردية التي انتمى إليها طيلة حياته السياسية في صفوف الحزب الديموقراطي الكردستاني.
وهو من مواليد ناحية بامرني التابعة لقضاء العمادية بمحافظة دهوك وسكانها 5500 نسمة، وفيها تكية ومسجد وشيوخها من أتباع الطريقة النقشبندية وهم اتباع الشيخ عبد القادر الكيلاني، وتكثر فيها أشجاًر البلوط والبطم والزيتون والفواكه، وفيها مطار بناه الإنكليز وتتمركز فيه حالياً قوة عسكرية تركية بموافقة السلطات المعنية.
وأكمل اليوسفي في بامرني دراسته الابتدائية وإنتقل إلى بغداد للدراسة في ثانوية آل البيت ، وتخرج منها مدرساً، ثم واصل دراسته في كلية دار العلوم، قسم الشريعة وتخرج منها عام 1942 ، وتنقل في محاكم شمال العراق بصفته كاتب أول. وواضح أن اليوسفي كان منذ شبابه ناشطاً سياسياً فقد أسهم في تشكيل غالبية التنظيمات السرية الكردية، أو ربما كلها ، ومنها حزب رزكاري كردستان، أي تحرر كردستان، وحزب شورش الذي كان بدايات تأسيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، وأصبح عضواً في أول قيادة له بزعامة مصطفي البارزاني، ، ثم عضواً في اللجنة المركزية والمكتب السياسي، وكان أحد عشرة شخصا وقعوا طلب إجازة الحزب لوزراة الداخلية عام 1960 ، واعتقله السلطات الحكومية في عهد عبد الكريم قاسم عدة مرات 1961-1962 ، وهو من إتصل به علي صالح السعدي قبل شباط 1963 لإحاطة الاكراد علماً بخطط البعث للإطاحة بنظام عبد الكريم قاسم.
وبعد إتفاق 29 حزيران 1966 مع حكومة الرئيس عبد الرحمن محمد عارف، كلفه البارزاني إصدار صحيفة، فأسس اليوسفي (التآخي) في بغداد، واستقر هو وعائلته في العاصمة وكان مسؤولاً عن الفرع الخامس للحزب الديموقراطي الكردستاني في منطقة بغداد. إلتقى اليوسفي مع أحمد حسن البكر في منزله قبل 17 تموز 1968 للتداول في خطط البعث لتولي الحكم، ولعب بعد ذلك دوراً مؤثراً في التوصل إلى بيان 11 آذار 1970 ، وشارك في جميع الاجتماعات بين الطرفين، في بغداد وفي ناوبردان ، وحضر يوم 12 آذار 1970 مع أدريس ومسعود البارزاني، ودارا توفيق، ومحمود عثمان ومحسن دزه ئي، الاحتفال الكبير في ساحة التحرير وسط بغداد مع الرئيس البكر، ونائبه صدام حسين، وأعضاء القيادة القطرية للبعث ومجلس قيادة الثورة، صلاح عمر العلي، وعبد الخالق السامرائي، ومرتضى الحديثي، وعزت مصطفى وغيرهم، وفي التعديل الوزاري وفقاً للبيان 11 آذار، أصبح وزيراً للدولة إضافة لأربعة وزراء أكراد آخرين، وترك الصحيفة لحبيب محمد كريم ودارا توفيق.
ولما تدهورت العلاقة بين الحكومة والأكراد عام 1974-1975 ، وضعته الحكومة تحت الإقامة الجبرية في منزله بحي الشرطة الثانية ببغداد، ثم رفعتها عنه، وبقي في بغداد حتى 25 حزيران 1981 عندما تسلم طرداً بريدياً لم يلبث أن انفجر بين يديه بعد مغادرة( ساعي البريد)، ونقل إلى مستشفى اليرموك حيث فارق الحياة ، ونقلت عائلته جثمانه، بموافقة الحكومة لدفنها في زاخو بشمال العراق، وقيل أن الطالبانيين قد ساهموا في مؤامرة إغتياله، وقال الجيران انهم شاهدوا شخصا يضع دراجته في سيارة تنتظره وغادرت بسرعة عند دوي الانفجار.
أما دارا توفيق فهو من مواليد مدينة السليمانية شمال العراق في نيسان 1932 ، درس للفترة 1951- 1967 الهندسة في بريطانيا سوية مع زميله سامي عبد الرحمن، ثم درس فيما بعد القانون في كلية الحقوق بالجامعة المستنصرية في بغداد.. وبقي عضواً في الحزب الشيوعي العراقي حتى أواخر عام 1960 ، والتحق بالحركة الكردية بزعامة البارزاني في العام التالي 1961 ، وتدرج في المستويات الحزبية حتى أصبح عضواً في اللجنة المركزية للحزب الوطني الديمقراطي، وبعد بيان 11 آذار 1970 تولى رئاسة تحرير جريدة التآخي في بغداد بعد توزير مؤسسها صالح اليوسفي وزيراً للدولة.
وشارك في المفاوضات التمهيدية بين الحكومة وبين الحركة الكردية حتى أسفرت عن بيان 11 آذار، وتولى بعدها رئاسة تحرير الصحيفة اليومية، وكان حينئذ عضواً في المكتب السياسي .
وبعد تدهور العلاقة بين الطرفين 1974-1975 ، نفي الى وظيفة مدير بلدية الكوت ، ثم أصبح المدير العام للمنشأة العامة للنقل النهري، وحتى 5 تشرين الثاني 1980 حينما إعتقلته أجهزة الامن من مكتبه، ولم يعرف مصيره ، ولم يعثر على أي أثر له حتى اليوم .
في تاريخ الصحافة العراقية
إن طبيعة العلاقات السياسية خلال حقبة عهد الرئيس عبد الرحمن محمد عارف قد اقتضت السماح لعدد من الشخصيات الكردية يتقدمهم صالح اليوسفي بإصدار صحيفة سياسية يومية خارج نطاق المؤسسة العامة للصحافة التي أنشأها قانون تنظيم الصحافة المؤرخ في الثالث من كانون الأول عام 1967.
وكانت جريدة التآخي تصدر أو تتوقف عن الصدور وفقاً لمناخ العلاقات بين الحكومة في بغداد وبين القادة الأكراد في شمال العراق.
وكانت حكومة البعث عام 1968 قد ورثت من النظام السابق وأجهزته الاستخبارية العسكرية ولاء عناصر سياسية كردية منشقة عن قيادة ملا مصطفى البارزاني ووفرت لها بيوتاً آمنة متجاورة في شارع فلسطين.
وفي وقت لاحق قررت في 22 أيلول 1968 السماح لهؤلاء الأكراد المناهضين للقيادة الكردية بإصدار جريدة سياسية يومية أسموها (النور) ورئيس تحريرها حلمي شريف واتخذت من مكاتب جريدة عراق تايمس السابقة في محلة السنك مقراً لها ليس بعيداً عن سينما روكسي .
واشترك في إصدار النور إضافة لحلمي شريف شخصيات كردية هي كمال محي الدين وخالد عبد الواحد وإبراهيم أحمد وعمر مصطفى ومحمد حسن بردو وصدر عددها الاولى في يوم 26 أيلول 1968 وحملت في ترويستها أنها لسان حال الحزب الديموقراطي الكردستاني- المكتب السياسي.
وقد استمرت النور على الصدور حتى توقفت خلال محادثات الحكم الذاتي وبيان آذار 1970 بعد أن أصدرت 441 عدداً ، ثم ألغى مجلس قيادة الثورة امتيازها بقراره رقم 325 في 29 آذار 1970 ، أي بعد ثمانية عشر يوماً من اتفاق 11 آذار ونشرته الجريدة الرسمية الوقائع العراقية في الخامس من نيسان 1970.
وقد استعانت جماعة الطالباني لإصدار هذه الجريدة بعدد من الصحفيين المحترفين من غير الاكراد منهم صادق الازدي وسليم طه التكريتي ومنير رزوق والشاعر كاظم السماوي وسلوى زكو وفائق بطي وصبري الربيعي وعباس البدري ونصير النهر ورياض شابا وحسام الصفار ومجيد الخالدي ووائل العاني ورشيد علي كرم وخشب الله يحيى .
ويبدو أن إغلاق جريدة النور لم يسبب البطالة للصحفيين الذين كانوا يعملون فيها، فقد انتقل بعضهم الى الجريدة الكردية التآخي بينما انتقل آخرون الى العمل في جريدتي البعث والحكومة، الثورة والجمهورية.. شكل هذا الانفراج السياسي مرحلة جديدة في الحياة الصحفية والثقافية الكردية ، فصدرت صحف ومجلات تتقدمها طبعاً جريدة التآخي التي كان عددها الأول قبل تولي البعث للسلطة يوم السبت 29 نيسان 1967 بثماني صفحات وكانت هيئة تحريرها تضم صالح اليوسفي وشوكت عقراوي ونجيب بابان ومحمد سعيد جاف وعبدالله سعيد، واتخذت بيتاً في العيواضية كان في السابق مدرسة يقع على الشارع العام مقراُ لمكاتبها، وكنا نشاهد اليوسفي وضيوفه عند دخولهم الى مكاتب الجريدة أو خروجهم منها.
وبعد صدور 189 عددا منها ففي 15 تشرين الثاني عام 1967 حل حبيب محمد كريم بدلاً عن شوكت عقراوي.
بدايات الصحافة الكردية
يؤكد الباحث الكردي العراقي فرهاد محمد أحمد، وهو بالمناسبة أفضل من كتب في تاريخ الصحافة الكردية، أن الصحافة الكردية كانت فقيرة المستوى قبل عام 1958 وشقت طريقها بعد ثورة 14 تموز 1958 وقيام النظام الجمهوري حينما أصدر الحزب الديموقراطي الكردستاني في جريدته خه بات أي (النضال) في 4 نيسان 1959.
لكنه يوضح أن جريدة التآخي أصبحت بعد صدورها رمزاً للصحافة الكردية كما أورد في موقعه الإلكتروني (مقص الرقابة. علاقة جريدة التآخي بالسلطة 1967 - 1968) يوم الاثنين 28 تشرين الثاني عام 2011.
ولم تكن صفتها السياسية تمنع الحكومة في الحالتين تحت حكم الرئيس عبد الرحمن عارف أو تحت حكم البعث من معاقبتها بالإنذار .
وقد توقفت التآخي عن الصدور بعد عددها رقم 1583 بتاريخ 12 آذار عام 1974 عندما تدهورت العلاقات بين الحكومة والحركة الكردي، ولم تعد إلى الأسواق إلا بعد 29 عاماً ، أي في 10 آذار 2003 ، بعد شهر من الاحتلال الأمريكي للعراق.
وبعد إتفاق آذار 1970 بأسابيع قليلة عادت التآخي في 1 مايس 1970 للصدور برقم 288 ليصبح حبيب محمد كريم صاحباً للامتياز وعلي عبد الله رئيساً للتحرير ليخلفه دارا توفيق بينما استوزر صالح اليوسفي وديراً للدولة في الحكومة العراقية.
وعمل في التآخي خلال الفترة التي كان دارا توفيق رئيساً للتحرير نخبة من الصحفيين والمثقفين، منهم حسب الله جعفر وعبد المنعم الأعسم ومحمد ملا كريم المدرس وشاكر علي التكريتي وفلك الدين كاكه ئي
ورسمي العامل. كما استعان دارا توفيق بخدمات عدد من الباحثين، منهم عبد الله الملاح وجعفر ياسين ونجدت فتحي صفوت، والشخصية الكردية هادي جاووشلي .