
الكثير من الظواهر الكروية يجب دراستها بعمق في اطار الظروف التي انتجتها وفي الزمن الذي حدثت فيه، لانها تنطوي على حلول عملية في سوق الكرة الذي لا علاقة لذوي النيات الطيبة والقلوب البيضاء به، لان هذه السوق تحكمها ضوابط وقواعد ومعايير تتوزع على حقول شتى، في طليعتها معادلة الربح والخسارة، وهذه المعادلة تشمل كل الحقول وليس الحقل المادي فقط أي الأموال المدفوعة .
ولا شك ان ريال مدريد النادي الاسباني الملكي يشكل ظاهرة كروية بعد ان استطاع عبر عشرات السنين ان يتحول الى ناد عالمي من حيث الجمهور والتأثير في هذا الجمهور تأثيرا كونيا، وإذا اخذنا العراق نموذجا فإننا يمكن ان نسوق اكثر من حادثة مؤلمة اصابت عوائل عراقية بسبب تشجيع احد افرادها الريال، فضلا عن حوادث جماعية محزنة تتناقلها الانباء شرقا وغربا من الكوكب ترتبط بخسارات الريال وسياسة الريال في ادارته لدفة عجلة تسويق السمعة عالميا وتوسيع قاعدة المشجعين كوكبيا .. من غير ان ننسى المتعة والافراح التي تبرز في أحيان أخرى .. وفي كل الأحوال فهو تسويق مضبوط علميا، إذ يخضع للمراجعة والتدقيق بشكل دوري..
كما ان منتخب البرازيل يشكل هو الاخر ظاهرة كروية على مدى عقود طويلة لاسيما بعد ان تمكن بجدارة ان يرسخ صورا ذهنية لدى الأجيال عن نجوم خالدة لعبت في صفوفه من بيليه ومن قبله مرورا برونالدو وروماريو ومن بعدهما، وكذلك بما أشاعه من طرق لعب وما نقشه في الاذهان من مهارات فردية، كل هذا مقرون بجمهور متميز بدلالات الملابس وخصائص المؤازرة ..
القاسم المشترك بين هاتين الظاهرتين الكرويتين هو المدرب الإيطالي كارلو أنشيلوتي الذي انتقل قبل أيام معدودات من الريال خالي الوفاض فنيا مليء الجيوب ماديا، تاركا الريال وراءه يجتر ازمة واحد من أسوأ مواسمه على الرغم من ان تاريخ الرجل مع هذا النادي الظاهرة فيه من الألقاب ما يجعله بطلا حقيقيا ..
ومن الريال طار الرجل الى البرازيل ليتولى المهمة العظمى في السادس والعشرين من مايو / أيار الحالي .. وهو اول اجنبي تثق فيه البرازيل لتضع درة تاج سمعتها بين يديه حتى النجم، الكبير روماريو استقبله بتعليق لافت “اصبح عندنا مدرب“، وهو استقبال حافل بلغة النجوم. أما نحن العرب فإن هذه التغريدة تذكرنا بمقطع اغنية لخالدة الذكر ام كلثوم تقول فيه “أصبح عندي الآن بندقية “، وبمطابقة القولين يعني اصبح الآن عندي سلاح انتصر به على خصومي .
فما هو المعيار الذي غادر به انشيلوتي الريال، وما هو المعيار الذي قبلته به البرازيل منقذاً لسمعتها الكروية في ذات الوقت وليس بعد ساعات حتى ؟!
سؤال يحتاج الى دراسة علمية رصينة لا تتأثر بكل عوامل التشويش الإعلامي او الجماهيري.