رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
حين مات الطبري


المشاهدات 1285
تاريخ الإضافة 2025/04/28 - 7:33 PM
آخر تحديث 2025/05/15 - 4:54 AM

دُفن في بيته لأن بعض عوام الحنابلة منعوا من دفنه نهارًا، وهكذا انتصر الإرهاب والتطرف على عالم جليل، عانى في حياته وعند وفاته . 
———————————————-
يعرف الكثيرون اسم الطبري  (محمد بن جرير، المتوفى سنة 310 هجرية) حتى لو كانوا لم يقرأوا له كتاباً من كتبه الكثيرة، التي ذاعت في زمانها وشاعت في تراثنا خلال الألف سنة الماضية، واشتهر منها كتاباه الكبيران المعروفان باسمه: تاريخ الطبري، تفسير الطبري، ولا يعرف الكثيرون الويلات التي لقيها هذا العالم الجليل، الذي ثار عليه الثائرون لما احتسب عليه المحتسبون، الظانُّون أنهم وحدهم المختصون بالصواب، وما عداهم على باطل. لنترك المؤرِّخ الشهير، شمس الدين الذهبي، يحدثنا عن الطبري، ثم نروي محنته مع الحنابلة :
هو الإمامُ العَلَمُ المجتهد، صاحب التصانيف (المؤلفات) البديعة، طَلَبَ العلم وأكثر الترحال، ولقى نبلاء الرجال، من أفراد الدهر علماً وذكاء.. استقر فى أواخر أيامه ببغداد، وكان من كبار أئمة الاجتهاد. إن الأمرين اللذين سُئل عنهما الطبرى، هما من قبيل الآراء والرؤى التى لا يحق لأحدٍ أن يفرض على غيره رأياً منها أو رؤية، وهما ليسا من قبيل (الأفعال) التى يمكن محاسبة صاحبها عليها، ولكن أهل الحسبة والاحتساب على الأفكار والتفتيش فى الأفئدة، يحاسبون غيرهم على آرائهم، لا أفعالهم .
ويمكن لنا توضيح المسألتين اللتين سأل الحنابلةُ الطبريَ عنهما، على النحو التالي : أما حديث «الجلوس على العرش» فهو مسألةٌ عقائدية/ تاريخية، نشأت من أن بعضهم فسَّر الآية القرآنية (عسى أن يبعثك ربك مقاماً محمودا) تفسيراً مفاده أن النبي سوف يجلس على العرش يوم القيامة! وهو ما كان الطبري يرفضه، ويعتبره من قبيل المبالغة، مؤكداً أن المراد من الآية القرآنية هو إثبات شفاعة النبي يوم القيامة في المسلمين، وليس جلوسه على عرش الله عزَّ وجلَّ! لأن ذلك محال.. وقد أنشد الطبري حين سأله الحنابلة عن ذلك، شعراً: 
سبحان من ليس له أنيس .. ولا له في عرشه جليس.
وأما رأي الطبري في الإمام ابن حنبل، فكان يتلخَّص في أن ابن حنبل إمام في الحديث، لا الفقه. ومع ذلك، فالطبري لم يقلل من شأن ابن حنبل، بل أعلى من شأنه كثيراً، وتابعه في موقفه من مشكلة خلق القرآن.
وفي كتابٍ للطبري، عنوانه (صريح السُّنة) يقول ما نصُّه : وأما القول في ألفاظ العباد بالقرآن، فلا أثر (حديث) فيه نعلمه من صحابي ولا تابعي، إلا عن الذي في قوله الغنى، وفي اتباعه الرُشد والهُدى، الإمام المرتضى أبي عبدالله أحمد بن حنبل، رضي الله عنه، ولا قول في ذلك عندنا يجوز أن نقوله، غير قوله؛ إذ لم يكن لنا إمامٌ نأتمُّ به سواه، وهو الإمام المتَّبع رحمة الله عليه. ولنترك ( ياقوت الحموي) في (معجم الأدباء) يروي لنا : لما قدم الطبري من طبرستان إلى بغداد، تعصب عليه أبو عبدالله الجصاص وجعفر بن عرفة والبياضي، وقصده الحنابلة فسألوه عن أحمد بن حنبل في الجامع، يوم الجمعة، وعن رأيه في حديث الجلوس على العرش، قال: «أما ابن حنبل فلا يعد خلافه (فقهه) ولا رأيتُ له أصحاباً (أتباعاً) يعوَّل عليهم، وأما حديث الجلوس على العرش فمحال .
فلما سمع منه الحنابلة ذلك، وثبوا ورموه بمحابرهم (دواة الحبر) وكانت ألوفاً ، فقام الطبرب بنفسه (هرب) ودخل داره، فرموا داره بالحجارة حتى صار على بابه كالتل العظيم، فذهب صاحب الشرطة ومنع عن الطبرب العامة، ووقف على بابه يوماً إلى الليل، وأمر برفع الحجارة.
ويخبرنا المؤرخون أن مأساة الطبرب مع الحنابلة، لم تقف عند هذا في حياة الطبري وعند وفاته.. قال ابن عساكر في (تاريخ دمشق) والبغدادي في (تاريخ بغداد) والذهبي في (سير أعلام النبلاء) إن الطبري احتجب في بيته، ولم يكن مسموحاً لأحد أن يزوره! 
وبحسب العبارة التراثية التي وردت في المصادر السابق ذكرها: كان الطبري لا يظهر، وكانت الحنابلة تمنع من الدخول عليه، ويروي ابن كثير في كتابه (البداية والنهاية) أن الطبري حين مات، دُفن في بيته؛ لأن بعض عوام الحنابلة ورعاعهم، منعوا من دفنه نهاراً .. وهكذا انتصر الإرهاب والتطرف على عالم جليل، عانى في حياته وعند وفاته .
 


تابعنا على
تصميم وتطوير