رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
يبقى الأمل في الشباب الواعد الذي نشأ على حب الوطن...الانتخابات: موسم الوعود الكاذبة وصوت الطائفية المبتذل


المشاهدات 1501
تاريخ الإضافة 2025/04/28 - 7:32 PM
آخر تحديث 2025/05/14 - 9:16 PM

 

وفي كل مرة عند اقتراب موعد الانتخابات في العراق، تعود إلى السطح كل المظاهر المقرفة التي ظن المواطن أنها ذهبت مع رياح التغيير الموعود منذ سنين. بينما يترقب الشعب بصيص أمل في تحسن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية ، إذا به يصطدم من جديد ببعض الذين بدأوا بحملاتهم الانتخابية مبكرا يغلب عليها الطابع الطائفي، وشعارات مكررة تتوسل عواطف الجماهير، وتستغل جراحهم للعبور إلى البرلمان .
اليوم، وكما في كل موسم انتخابي سابق، علت الأصوات التي تنادي بالاضطهاد لمكون دون مكون آخر. وبدأت أحاديث مظلومية طائفة معينة تُسوّق على المنابر ووسائل الإعلام، وكأن العراق لم يكتوِ بما فيه الكفاية من نار الطائفية التي دمرت النسيج الاجتماعي، وأهدرت ثرواته، وضيعت مستقبله. إن استدعاء خطاب الطائفية بهذا الشكل المبتذل، ليس إلا وسيلة خبيثة لتجييش الناس خلف أسماء وشعارات عفا عليها الزمن، بدلًا من تقديم برامج حقيقية قابلة للتطبيق.
ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل رأينا من يرفع راية الدين زورًا وبهتانًا، مستغلًا مايعتقده الناس البسطاء، متسترًا خلف شعارات التدين والغيرة على المذهب والعقيدة والدين، بينما أفعاله  بعيدة كل البعد عن قيم الدين السمحاء. هؤلاء أدعياء الدين لا يهدفون إلا للوصول إلى الكرسي، ولو كان الثمن تمزيق وحدة الشعب وزرع الفتنة بين أبنائه.
على الجانب الآخر، هناك من يستغل المال السياسي بشكل فجّ، غير مستحٍٍ من الناس ولا من ضميره. فتوزع الهبات والرشاوى الانتخابية تحت مسميات مختلفة: تبرعات، مساعدات، كفالات …آلخ. الأموال التي يُفترض أن تكون لتنمية البلاد وإنعاش المشاريع الخدمية، تُهدر في شراء الأصوات والضمائر ، ليبقى الوطن غارقًا في الأزمات والتخلف
ثم هناك فئة رابعة، لا تكتفي بالمال أو الدين أو الطائفة، بل تضيف إلى ذلك الوجع الأكبر: المناصب والامتيازات. فتراهم يوزعون المناصب والامتيازات وكأنها وراثة لهم أو غنيمة خاصة بعشائرهم وأحزابهم، ويتناسون أن الوظائف العامة أمانة لخدمة الشعب، لا ملكية خاصة يتقاسمونها على موائد السياسة الفاسدة.
أما الفئة الخامسة، فهم أولئك السماسرة الذين يعملون خلف الستار، ينقلون الولاءات من معسكر إلى آخر، ويعقدون الصفقات الانتخابية المشبوهة، مستخدمين خدماتهم لشراء أو بيع الأصوات، أو لتمرير أجندات خارجية لا علاقة لها بمصلحة العراق ولا بمستقبل شعبه
واسم القبيلة او العشيرة اصبح وسيلة اخرى لحشد الأصوات او رشوة شيوخ العشائر لتوجيه أصوات العشيرة لمرشح القبيلة.
كل هذه الظواهر ليست وليدة الصدفة، بل هي نتيجة حتمية لتراكم سنوات من الفشل السياسي، وسوء الإدارة، وانتشار الفساد، وإهمال محاسبة المقصرين. المواطن البسيط، الذي كان يأمل أن يرى برامج انتخابية ناضجة تناقش مشاكله الحقيقية كالبطالة، الفقر، التعليم، الصحة، إعادة إعمار المناطق المنكوبة، تفاجأ مجددًا بنفس المسرحية الهزيلة.
من يراقب الساحة السياسية اليوم، يرى أن العراق يعيش حالة فريدة من التشظي السياسي، والانقسام الاجتماعي. الأحزاب السياسية القديمة لم تستطع تقديم شيء ملموس، ومع ذلك تصرّ على إعادة تدوير نفس الوجوه تحت شعارات جديدة. أما الأحزاب الناشئة، فهي إما ضعيفة لا تملك قواعد شعبية حقيقية، أو أنها سرعان ما تقع فريسة لصفقات الكواليس.
ومما يزيد الطين بلة، التدخلات الإقليمية والدولية السافرة، التي تسعى كل جهة من خلالها لفرض وكلائها المحليين، خدمةً لمصالحها الخاصة. فالعراق، الذي كان يومًا مركز ثقل إقليميا، بات اليوم ساحة مفتوحة لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى، وأبناؤه هم من يدفعون الثمن.
وفي ظل هذا الواقع القاتم، يصبح الحديث عن انتخابات نزيهة وحرة نوعًا من السذاجة. فكيف يمكن تحقيق النزاهة في بيئة يسودها التهديد، والابتزاز، وشراء الذمم؟ كيف يمكن ضمان حرية الاختيار والناس بين جائع وخائف ومحبط؟
ورغم كل ذلك، لا يزال هناك بصيص أمل. فهناك فئة من الشباب الواعي، الذين نشؤوا على حب العراق دون ولاء لطائفة أو حزب أو جهة خارجية. شباب يؤمنون بالوطن وبدولة تسودها العدالة والقانون والقيم الوطنية والإنسانية والمؤسسات، ويريدون أن يعيشوا في وطن يوفر لهم أبسط مقومات الحياة الكريمة. هؤلاء الشباب هم الرهان الحقيقي لمستقبل العراق. ان الوعي الشعبي هو السلاح الأقوى الذي يمكن أن يكسر حلقة الفساد والطائفية. فإذا أحسن العراقيون استخدام أصواتهم، واختاروا بوعي من يمثلهم، ورفضوا إعادة انتخاب الفاسدين، يمكن حينها أن تكون الانتخابات بوابة حقيقية للتغيير. لكن، هل هناك إرادة حقيقية من القوى السياسية لفتح الطريق أمام هذا التغيير؟ أم أن السيناريو المعروف سيتكرر: انتخابات مشكوك في نزاهتها، تليها مفاوضات تشكيل حكومة محاصصة، ثم تفرغ الوعود من محتواها، ليعود المواطن بعد أربع سنوات إلى نفس النقطة؟
إن العراق لا يتحمل المزيد من التجارب الفاشلة. فالوضع الاقتصادي على شفا الانهيار، والخدمات في أسوأ حالاتها، والتعليم يعاني، والبنية التحتية متهالكة، والفقر مستشرٍ. وإذا استمر الحال على ما هو عليه، فإن القادم سيكون أكثر سوداوية.
 وفي الختام، نوجه رسالة إلى كل عراقي حر: لا تترك صوتك يُباع أو يُشترى. لا تصدق الشعارات الطائفية، ولا تنخدع بالدين المزيف، ولا تساوم على وطنك من أجل حفنة مال أو منصب زائل.. العراق أكبر من الجميع، ومصلحة العراق فوق كل المصالح. فلتكن الانتخابات القادمة بداية طريق جديد، طريق الكرامة، والوطنية، والإعمار.
 


تابعنا على
تصميم وتطوير