رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
تاريخ التصوير الفوتوغرافي في العراق


المشاهدات 1506
تاريخ الإضافة 2025/02/26 - 9:19 PM
آخر تحديث 2025/07/19 - 3:35 PM

الزوراء/ محمد خليل كيطان
من منا لا يملك صورًا قديمة يعتز بها ويشعر بأنها تمثل جزءًا من تاريخه الشخصي؟ فالصورة ليست سوى لحظة مقتطعة من أيام وليالٍ وسنين من عمرنا. 
ومع ذلك، إذا جمعنا كل الصور التي التقطناها، فلن تشكّل سوى لحظات عابرة من حياتنا.
هل تذكرون مقدار الفرح والحماس الذي كان يغمرنا عندما نقف أمام المصور ليلتقط لنا صورة تذكارية في المدرسة، أو الجامعة، أو السينما، أو الملاعب، أو بجانب ألعاب العيد، أو تحت نصب الحرية وحديقة الأمة في قلب بغداد؟
أما إذا حصلنا على كاميرا شخصية مع فيلم يحتوي على 36 صورة، فلن ندع مكانًا دون أن نوثقه، بدءًا من الشارع والمقهى والحديقة، وصولًا إلى سطح المنزل.
تخيلوا اليوم مدى الشغف الذي كنا نشعر به أثناء انتظار تحميض الصور، واستلامها بعد أسبوع أو أسبوعين. أحيانًا، كنا ننسى الزمان والمكان الذي التُقطت فيه الصورة، ولكن بمجرد استلامها، تعود الذكريات، وتُرسم الابتسامات على الوجوه.
بدايات التصوير
من الغريب أن كل شيء بدأ من داخل غرفة مظلمة، وليس هناك ما هو أشد ظلمة من زنازين السجون. يقال إن العالم العربي الحسن بن الهيثم كان يدخل السجن كثيرًا بسبب أفكاره التي لم تتوافق مع السلطة في زمنه. 
في إحدى المرات، لاحظ من خلال ثقب صغير في جدار الزنزانة دخول شعاع ضوء، مما أدى إلى انعكاس صورة مقلوبة لشجرة على الجدار المقابل. 
من هنا، بدأ في تحليل هذه الظاهرة، ووضع النظريات التي أصبحت أساسًا في علم البصريات، وما زالت مؤثرة حتى يومنا هذا.
أول مصور في العراق
هناك تضارب في تحديد اول مصور عراقي بعضهم يقول ان المصور والرسام ألكسندر زفوبودا، المولود في بغداد عام 1826، يعد أول من قام بجلب الكاميرا الفوتوغرافية إلى بغداد حوالي عام 1850.
فيما يؤكد اخرون الكاميرا دخلت إلى العراق مبكرًا مقارنة ببقية دول المنطقة، كما هو الحال مع الراديو والتلفزيون والهاتف والسينما. فتشير المصادر التاريخية إلى أن عبد الكريم تبوني أدخل آلة التصوير إلى البصرة عام 1895، بعد إكمال دراسته في الهند، حيث جلب معه استوديو تصوير بسيط. غير ان الحملات التبشيرية الاوربية التي سبقت أو رافقت الاحتلال البريطاني للعراق في أوائل القرن العشرين ساعدت ايضا في انتشار التصوير، إلى جانب قدوم مجتمعات أجنبية أخرى للعيش في العراق.
 المصورون الأرمن
برز الأرمن بين العراقيين الذين احترفوا التصوير، إذ أحبّوا هذه المهنة وأبدعوا فيها. ومع وصول البريطانيين إلى بغداد عام 1917، وبدء التحولات الصناعية، ظهرت مهن جديدة في العراق، من بينها الميكانيكي، وعامل الكهرباء، وصانع الساعات، والمصور الفوتوغرافي.
وفي حين تقبلت الطبقات الراقية فكرة التصوير، بقي بعض العامة متوجسين منه، معتقدين أنه نوع من السحر أو تسخير للجن، بينما رأى آخرون أنه مجرد نوع من الرسم. ولهذا السبب، استمر الناس في العراق لسنوات طويلة في تسمية الصورة بـ “الرسم”.
ومع ذلك، انتشر التصوير تدريجيًا، لا سيما في الموصل، حيث يُذكر أن أول مصور احترف التصوير الشمسي هناك كان شخصًا يُدعى “طاطران”، وكان يعمل عند مدخل الإعدادية المركزية. كما برز مصورون آخرون، مثل نعوم الصائغ ويوسف سنبل، الذين استخدموا الكاميرات ذات الصندوق الخشبي والقماش الأسود.
انتقل بعض المصورين من الموصل إلى بغداد بحثًا عن فرص أفضل، ومن بينهم عبوش، الذي كان المصور الخاص للملك غازي، وأرشاك، الذي أسس استوديو شهيرًا في شارع الرشيد. كذلك، تميز المصور مراد الداغستاني، صاحب استوديو “مراد”، بتوثيق تاريخ بغداد من خلال عدسته. ومن المصورين البارزين أيضًا مسيو جان، صاحب استوديو بابل، وأمري سليم، صاحب استوديو قرطبة، وحازم باك، الذي أدخل التصوير الملون إلى العراق ثم لطيف العاني  الذي اشتهرَ عالميًّا ويُعدُّ رائِدًا من رواد التَصوير في العِراق والشَرق الأوسط.
وقد استورد العراق مواد التصوير، مثل الأفلام والورق والأحماض، عبر التاجر المعروف حافظ القاضي.
وكانت مهنة التصوير مقتصرة على الرجال، مما جعلها تواجه تحديات اجتماعية، خاصة في المجتمع العراقي المحافظ. إلا أن المصورة الأرمنية ليليان استطاعت أن تشق طريقها، حيث تخصصت في تصوير العائلات، بما في ذلك العائلة المالكة. 
ويذكر الكاتب أمين الريحاني في كتابه ملوك العرب أن الملك فيصل الأول اضطر لتصوير زوجته من أجل الحصول على تأشيرة سفر إلى سويسرا للعلاج، ولكن بعد التقاط الصورة، تم إتلاف الفيلم السلبي لضمان عدم إعادة استخدامه.بعدها شهدت الخمسينيات والستينيات إقبالًا متزايدًا على التصوير، وأصبح وجود المصور في المناسبات الاجتماعية أمرًا مألوفًا. كما تطورت تقنيات التصوير، حيث بدأ المصورون باستخدام فن الرتوش لتجميل الصور.وفي عام 1972، تأسست “الجمعية العراقية للتصوير” كمنظمة غير حكومية، ثم تغير اسمها إلى “الجمعية العراقية للتصوير الفوتوغرافي” عام 1975. 
ومنذ ذلك الحين، أصبحت الجمعية عضوًا نشطًا في العديد من الاتحادات العربية والعالمية، وتضم نخبة من المصورين العراقيين الذين كان لهم دور بارز في توثيق تاريخ العراق.واليوم ما تزال استوديوهات التصوير تعمل في بغداد، ولكن بشكل أقل مما كانت عليه في السابق، نظرًا لانتشار الكاميرات الرقمية وكاميرات الهواتف الذكية. 
ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، تراجع اهتمام الناس بطباعة الصور والاحتفاظ بها في ألبومات ورقية، ليقتصر دور المصورين اليوم على التقاط الصور الرسمية وصور حفلات الزفاف، التي لا تزال تحتفظ ببعض من عبق الماضي الجميل.


تابعنا على
تصميم وتطوير