رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
الرائدة غزوة الخالدي عارضت النظام السابق وغادرت البلد مرغمة


المشاهدات 1039
تاريخ الإضافة 2025/02/22 - 9:56 PM
آخر تحديث 2025/02/23 - 6:32 AM

غزوة الخالدي الفنانة المسرحية العذبة والصوت الهادر ضد الطغاة وسالبي الحرية وكاتمي الأصوات المناشدة برفع القمع والتعذيب والتهجير القسري.. غزوة تعد من رواد المسرح العراقي حيث قدمت العديد من الأعمال المسرحية التي لاقت نجاحا كبيرا وحققت شهرة واسعة من خلال عملها بالسينما وفي الدراما التلفزيونية، كان أول ظهور لها على خشبة المسرح حين كانت لا تزال طالبة في معهد الفنون الجميلة سنة 1965 في مسرحية (الطوفان)...

أما اسم «غزوة» فقد أطلقته عليها أمها حيث كانت تقرأ في غزوة بدر، بل إن بعض زملائها كانوا يسمونها غزوة بدر مثل المخرج صبري الرماحي.
ولدت الخالدي في 19 يناير/كانون الثاني 1943، وبدأت نشاطها الفني منذ ستينيات القرن الماضي مخرجة إذاعية وممثلة تلفزيونية ومسرحية وكاتبة بارعة، ولها مؤلفات عديدة للعمل التلفزيوني. غادرت العراق مكرهة معاقبة، بل هاربة من سطوة نظام قاهر بسلطة العنف والكراهية والسجون، خاصة أنها أعلنت جهارا معارضاتها للنظام الدكتاتوري البائد حيث هددت بالقتل والاغتيال أكثر من مرة او السكوت ، فأثر غيابها ولم يسدّ مكانها أحد في الساحة الفنية النسائية على الرغم من وجود فنانات قديرات عراقيات داخل الوسط الفني، فإن هذه الشخصية الشعبية وبنت البلد خاصة بغزوة الخالدي دون غيرها.
لذلك تعدّ الممثلة العراقية غزوة الخالدي واحدة من أبرز رائدات المسرح العراقي، وحققت شهرة واسعة من خلال عملها الفني المتنوع سواء في المسرح أو السينما أو في الدراما التلفزيونية أو الإذاعة أو الكتابة الدرامية، إلى جانب تقديمها العديد من الأعمال المسرحية الناجحة. فقد عملت في جوانب الابداع والتعبير المختلفة، مسرح، سينما، تلفزيون، اذاعة، كانت تجد روحها في هذه الميادين خاصة المسرح الذي كان له ثقل حقيقي في اختياراتها، وكما عملت في الإذاعة منذ عام 1972 لتتناغم بها وتخرج من بين اشرطتها ودوران حكايتها مؤسسة شخصية غزوة كما عرفها الجمهور. 
كان عام 1965 الظهور الأول للرائدة غزوة على المسرح حينما كانت طالبة في معهد الفنون الجميلة، وذلك في عمل مسرحي بعنوان “الطوفان» للفنان حميد محمد جواد، تلك الشخصية التي تأثرت بها تأثرا كبيرا. كان للفنان الرائد المهاجر لباريس “حميد محمد جواد» الأثر الكبير في بداياتها، فقام بإشراكها في مسرحية (هاملت)، ثم عملت بمسرحية (الشمس تشرق من هناك) وهي تشبه إلى حد ما الاوبريت وكانت من إخراج الفنان الراحل عبد المطلب السنيد وشارك فيها الفنان فؤاد سالم. وكما هو معروف بدأ البث التلفزيوني العراقي صيف العام 1957 ويعد أول بث تلفزيوني عربي، وهو ما ساهم في نهوض الدراما العراقية في عقدي الستينات والسبعينات من القرن الماضي. حيث يقسم النقاد الإنتاج التلفزيوني العراقي لجزئيين قبل الغزو الأمريكي 2003 وبعده. مع العلم أن الدراسات والبحوث في مجال الدراما التي تناولت المرأة العراقية في وسائل الثقافة والفن قليلة مقارنة بالدول العربية الأخرى. ولقد قدمت الدراما العراقية المرأة بصورة نمطية خصوصاً ان المؤلف قد نأى بنفسه عن طرح قضباها الإنسانية والوطنية ومعاناتها من الحروب والحصار، فالمؤلفين عموما اعتمدوا على شخصيتين نمطيتين، الأولى أظهرت المرأة بصورة «قوية» مقرونة بالشر فهي الأم أو الزوجة المتسلطة، الثانية متمثلة بامرأة «طيبة» حد السذاجة لا تستطيع اتخاذ أي قرار دون العودة للآخرين أو تكون امرأة سطحية التفكير. 
لقد كانت المرأة العراقية التي قدمت الكثير من التضحيات وسطرت على أعظم البطولات النابعة أولا من تاريخ العراق الضارب في العراقة، وثانيا من تنوعه الذي أضفى مزيدا من الثراء، وهنا حينما نقدم فنانة راقية مثل غزوة الخالدي ولو بقراءة مختصرة لسيرة منجزها واثرها في الوسط الفني والثقافي بالعراق، كان ولابد ان نمر على حياة مجموعة من النساء يفخر بهن التاريخ، وما أصعب أن تختزل الكاتب او حتى الارشيفي عن حياة الانسان في مقالة، فكيف إذا كن رائدات، لهن أدوار بارزة في الحياة الاجتماعية بالعراق. فقد دخلت النساء من مختلف القوميات والديانات التي يتميز بها النسيج العراقي إلى الساحة الفنية، أي أن المشاركة لم تقتصر على المكون العربي، منهن من جمعن بين التلفزيون والسينما والمسرح، وهنا شريحة من الأسماء التي أسست للفن العراقي فهن على سبيل المثال لا الحصر، كلاً من الفنانة الكردية آسيا كمال (1961) التي دخلت مجال التمثيل عن طريق تأثرها بالوسط الفني الذي كانت تعمل فيه والدتها كـ «ماكيير». قدمت عدة مسرحيات، قبل أن تدخل التلفزيون في عام 1979 من خلال سباعية «الغائب يعود»، ثم توالت أعمالها الفنية، وقدمت أدواراً في السينما أيضاً كان آخرها عام 2020 وهو فيلم بعنوان «إلى بغداد» وهو أول عمل سينمائي عراقي منذ عام 2003، في عام 1993 مثلت في مسلسل «المسافر» من بطولة الفنان كاظم الساهر، وفي عام 2010 حصلت على لقب أفضل ممثلة عراقية، واحتفظت باللقب لعامين متتاليين. من المكون التركماني اشتهرت الفنانة أمل سنان (1966) وعرفت بدورها في مسلسل يتيم بعنوان «نادية» عرض عام 1988، واعتبرت الأولى في عدة مجالات فهي أول عراقية تجمع بين عرض الأزياء والتمثيل، وأول امرأة من مدينة كركوك تحصل على جائزة أفضل ممثلة في العراق، وأول فتاة تركمانية تشارك في بطولة فيلم سينمائي وكان بعنوان «ستة على ستة» في عام 1988. لكن ومع ذلك قررت الاعتزال في عام 1989. الفنانة الكبيرة الرائدة سعدية الزيدي (1939) شاركت في معظم الأفلام العراقية، وكتبت الشعر قبل ذلك، من أشهر الأعمال التي قدمتها والتي ما تزال في الذاكرة المسلسل الإذاعي «غيدة وحمد» الذي أذيع في ستينيات القرن الماضي، وقدمت أغانيه الفنانة وحيدة خليل.
من المكون الأرمني اشتهرت الفنانة ازادوهي صاموئيل (1942) وتعد من رواد المسرح العراقي منذ عام 1954، حيث أنها أول امرأة تدخل معهد الفنون الجميلة في قسم الفنون المسرحية ولها رصيد كبير من الأعمال المسرحية. فوزية الشندي (1942) هي ثاني امرأة تتخرج من معهد الفنون الجميلة قسم الفنون المسرحية عام 1964 وأول طالبة تتخرج من أكاديمية الفنون الجميلة وتحصل على البكالوريوس والماجستير في فن الإخراج المسرحي. لقد عاشت الرائدة المسرحية الفنانة غزوة الخالدي مع هذه الأسماء التي كانت براقة واستطاعت ان تضع لاسمها مكانة يليق بها كفنانة وإنسانة. كما أن الخالدي ابنة جيلها الثقافي، ومن ثم فهذه الشمولية الفنية التي تتمتع بها كانت نتيجة مناخ ثقافي عالي المستوى شهده العراق في الستينيات والسبعينيات. فهي ترى أن الوسط الفني في الستينيات كان أجمل بكثير من اليوم، وكانت العلاقات والصداقات في الوسط الفني جميلة ونقية ولم تكن المادة مهمة في حياة الفنان، فقد كان يمثل لأنه يحب التمثيل. وتضيف ولو بمرارة “لا يزال الفن بخير، ولكن تتمنى أن يعود مستوى مسرح الستينيات، وتعود جماهير المسرح من المجتمع العراقي إلى شغف المتابعة». لهذا فإن الحنين للبدايات منذ دخولها عالم الفن، حيث كان «للفنان عبد المرسل الزيدي الفضل في دخولها عالم التمثيل. لقد كان المسرح العراقي الذي ولد بعيدا عن عوالم الحرفة والارتزاق، قريبا جدا من عوالم الادب والجمال مشتغلا على مفاهيم حساسة في الحياة اليومية العراقية، الوطن والوطنية والاستقلال. فالمسرح ما ان توفر على سمة السياسي والوطني، حتى اخترق عوالم الاقتصاد والاجتماع والعادات والتقاليد والقيم الموروثة، مؤسسا نقيضها الحداثي والمعاصر منطلقا من قواعد مهمة ميزته عن سواه من المسارح العربية ، فهو أكاديمي النشأة ذلك ما جعله ينفتح على العديد من الأساليب والطرائق والمناهج الاخراجية والتقنية، اشتغل على النص العالمي ليتوفر على فضاءات ابداعية أكبر بكثير من التي يمكن ان يوفرها له النص المحلي ـ 
وكانت غزوة من هذا الجيل كاتبة بارعة، ولها كتابات عديدة للعمل التلفزيوني، كما أنها عملت في مجالات فنية متنوعة فهي مخرجة إذاعية وممثلة مسرحية، كما عملت على تقديم برامج في قنوات تلفزيونية محلية. حيث تعدّ فنانة ملمّة سواء في التمثيل المسرحي والتلفزيوني، أو في الإخراج الإذاعي أو في الكتابة، لافتة إلى أن أحد أبرز أعمالها كانت فيه مساعدة مخرج أولى في مسلسل «حرب البسوس» مع المخرج عمانوئيل رسام. ومنذ عقود كانت للمسرح الشعبي العراقي بصمة واضحة وبارزة في الحركة الفنية العراقية، ومنذ انطلاق الفرق المسرحية في ستينيات القرن الماضي التي كان نجومها هم نخبة الفن العراقي، استقطبت تلك الفرق جمهورها من مختلف الشرائح والاتجاهات، بما قدمته من عروض مسرحية سبرت أغوار المجتمع العراقي وارتقت بذائقة المشاهد وحسِّه الفني، فكانت دليلاً حياً على رصانة ما يقدم.
كانت العروض التي قدمتها فرق مسرحية معروفة منها “فرقة المسرح الفني الحديث” و” فرقة المسرح الشعبي” كـ (الطوفان، والدبخانة، والبيك والسايق، والقربان، والنخلة والجيران، والبستوكة، والشريعة)، كانت عروضاً ذات دلالات فكرية واجتماعية، ساعدت على بروز أسماء لامعة في تلك الفترة منهم يوسف العاني وطه سالم وغيرهم، فضلاً عن أن من أخرج هذه الأعمال هم نخبة المسرح العراقي: ابراهيم جلال وبدري حسون فريد وقاسم محمد وجاسم العبودي وجعفر السعدي. وصولاً الى مرحة الثمانينات التي لم تقلّ أهمية عن سابقتها، فشهدت تلك الفترة عروض مسرحيات (بيت وخمس بيبان، والمحطة، وأطراف المدينة، وحوته يامحنوته، ونديمكم هذا المساء، والشريعة، وخيط البريسم، وجذور الحب، وترنيمة الكرسي الهزاز، والرجل الطيب). بالمقابل فإن هذا الكم من العروض المسرحية حقق وفرة كبيرة بالعنصر النسوي، فكانت غزوة الخالدي وزينب وناهدة الرماح وعواطف نعيم وهناء عبد القادر وفوزية عارف وافراح عباس وفاطمة وزهرة الربيعي وسليمة خضير وسهام السبتي ومديحة وجدي أسماء حضرن بكل قوة.  وفي هذا الاتجاه وعن اعمالها المتأخرة فإنها عملت في مسرحية «ليلة بغدادية مع الملا عبود الكرخي» عام 1982، امن إخراج الراحل سامي عبد الحميد، وتمثيل يوسف العاني ومحمد حسين عبد الرحيم، مع طلبة من الأكاديمية. ورغم انقطاع الخالدي الطويل عن النشاط الفني بتأثير الغربة، فإنها ما زالت تبحث عن عمل درامي يليق بمستواها، فهي تريد نصا جديدا من كل الجوانب، ولا تريد الصورة الراقية التي عرفت بها، بل تريد عملا يليق باسمها. ويلفت إلى أنها رغم صعوبة الغربة، فهي لم تنقطع عن كتابة النصوص التي تنصبّ معظمها لعرض ومعالجة اشكالات الاغتراب للجالية العراقية المهاجرة وهمومها، وعملت في (راديو سوا). وفي لقاء معها وهي ذاهبة بشوق في زيارة لبغداد بعد زوال نظام الدكتاتور قالت غزوة : منذ الساعة التي صعدت فيها الطائرة من عمان وانا اسجل في كل ثلاث دقائق مشاعري وانا على الطريق الى بغداد بعد سنوات طويلة من الغربة، وسبع سنوات في غياب جديد علي، لأنني أتيت اخر مرة عام 2003 ، اي بعد سقوط النظام السابق مباشرة ، فكانت مشاعر غريبة، ساعة ابكي وساعة اشاهد ما الذي طرأ على الفرد العراقي، والذي افرحني انني لم أشاهد الشوارع مثلما تنقلها وسائل الاعلام ، الشوارع جميلة والناس احلى ما يكون والضحكة على شفاههم والسيارات والزحام ، وكنت سعيدة جدا ، بغداد تحتاج اشياء لكي تكون اجمل.وتابعت حول عملها: انا منذ أن كنت مديرة محطة قناة السومرية في عمان، ولديّ برنامج اسمه (كنا هناك) تناولت فيه العراق برمته اخباره امنياته وتطلعاته، أما التمثيل، فإذا ما وجدت النص المناسب بعد هذه الغربة الطويلة وبعد هذا الانقطاع سوف اشتغل، لا أخفى عليك.. عرضت عليّ بعض الاعمال، ولكن لم تكن الادوار بالمستوى التي أنا أريده، وما زلت انتظر النص الجيد لأعود الى التمثيل وخصوصا إذا ما كان العمل مع المخرج الكبير حسن حسني.
 واستطرقت الخالدي عما إذا ما كان الفنان ينضب إذا ما ترك التمثيل زمنا طويل او في الغربة: أنا انقطعت طويلا هذا صحيح، ولكن لنجرب ونشوف كيف سيكون ادائي، فأنا لم اعمل منذ زمن بعيد، وربما إذا ارجع تقدرون تأخذونني قدوة ومثلا.
أطال الله بعمر الفنانة الرائدة المغتربة غزوة الخالدي وارزقها الصّحة وأسعد قلبها وكتب لها رغَدَ الحياة، وأجمل الأقدار وأخيرها.


تابعنا على
تصميم وتطوير