القاهرة/ متابعة الزوراء
تحاول نقابة الصحفيين المصريين الاستفادة من التفاف الرأي العام حول السلطة بشأن رفض الضغوط الأميركية في ملف تهجير الفلسطينيين، عبر تحريك المياه الراكدة في ملف معتقلي الرأي والصحفيين الذي تريد الحكومة غلقه بالتوازي مع تعديلات قانون الحبس الاحتياطي.
واستثمرت نقابة الصحفيين الزخم الشعبي والسياسي والنقابي والالتفاف حول السلطة، بعد فتح ملف تهجير أعداد من الفلسطينيين إلى مصر من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، من أجل تجديد المطالبة بإطلاق سراح جميع الصحفيين المحبوسين، والعفو الشامل عن سجناء الرأي، وإغلاق هذا الملف لتعزيز تماسك الجبهة الداخلية ضد أي محاولة للضغط تهدد الأمن القومي للبلاد.
وقال نقيب الصحفيين خالد البلشي إن في ظل التحديات الخطيرة حول ملف التهجير، بالتزامن مع الموقفين الرسمي والشعبي المصري الرافضين لهذا التوجه، فإن أكثر ما تحتاج إليه مصر حاليا هو تدعيم حالة التماسك التي خلقتها الأزمة وإرساء قواعد ديمقراطية وإطلاق الحريات العامة وفتح المجال لتحرير الصحافة من القيود.
وتعامل نقيب الصحفيين مع ملف المحبوسين وسجناء الرأي كمن يُقدم نصيحة للنظام المصري إذا أراد استمرار حالة التماسك الشعبي والحزبي والنقابي خلفه، بعد أن نجحت النقابة إلى حد كبير في إثبات حُسن نواياها وتقديم ما يثبت أنها لا تتعامل مع قضية الحريات بطريقة تنم عن ابتزاز أو ضغط على السلطة، وتتحرك مدفوعة بغيرة وطنية من دون البحث عن مكاسب سياسية.
وقال البلشي “في ظل الظروف الراهنة يجب التذكير بالمطالب المشروعة الخاصة بتبييض السجون من كل المحبوسين على ذمة قضايا الرأي”، وجدد مطالب نقابة الصحفيين بـ”الإفراج عن كل أبناء المهنة المحبوسين والعفو عن الصادر بحقهم أحكام وإطلاق سراح كل سجناء الرأي، وفي القلب منهم المعارضون السلميون والعمل على إغلاق هذا الملف المؤلم.”
ويتمسك مجلس النقابة بالتعامل مع السلطة بالمزيد من الحكمة والعقلانية والهدوء، ويصر على النأي عن الدخول في صدام يقوض أي خطوة تستهدف الإفراج عن الصحفيين المحبوسين، وهو ما يظهر في تحرك خالد البلشي بخطوات محسوبة للحفاظ على العلاقات القوية التي نجح في بنائها مع مؤسسات الدولة.
وتُفضّل الحكومة التعامل معها في ملف الحريات العامة وسجناء الرأي بتلك الصيغة التفاوضية، بلا ممارسة ضغط عليها أو استثمار الظروف الأمنية والسياسية لتحقيق مكاسب وإحراجها أمام الرأي العام، كما تفعل بعض قوى المعارضة المدنية عندما تتحدث عن الملف نفسه، وتبدو في نظر الحكومة كأنها تطبق الأسلوب الذي تتبعه بعض المنظمات الحقوقية الدولية والحكومات الغربية.
ويرى مراقبون للمشهد الإعلامي أن نقابة الصحفيين تحاول الإمساك بالعصا من المنتصف بأن تدعم النظام في ملف مصيري مثل تهجير الفلسطينيين، ثم تعيد المطالبة بحل أزمة سجناء الرأي من أعضائها دون أن تدخل في صدام مع السلطة حول قضية تحمل تقديرات سياسية خاصة، بحيث لا تقدم نفسها كحزب معارض يروج لخطاب يخدم تيارات لها عداء مع النظام، مثل جماعة الإخوان.
وتستثمر النقابة في تفهم أجهزة الأمن خلال الفترة الماضية بالتوقف عن مطاردة أصحاب الرأي واستهداف الصحفيين بحجة نشر أخبار كاذبة تُلحق الضرر بالصالح العام، عكس ما كان يحدث في الماضي القريب، وهي إشارات تلقفتها نقابة الصحفيين واعتبرتها إشارة على وجود بوادر إيجابية من جانب الحكومة لغلق ملف الحريات بالتوازي مع تعديلات قانون الحبس الاحتياطي.
وترغب بعض دوائر السلطة في حل ملف سجناء الرأي والحريات، سواء أكانوا من الصحفيين أو غيرهم، في إطار تفاوضي بعيد عن التشنج والصدام ولي ذراع الحكومة في توقيت بالغ الحساسية، وهو ما تدركه نقابة الصحفيين جيدا، لذلك تحاول تغيير رؤية السلطة تجاه أصحاب الرأي من المعارضين، بأن المختلفين معها ليسوا جميعا يخدمون أطرافا معادية ويمكن بسهولة التمييز بينهم.
وأكد عضو مجلس نقابة الصحفيين محمد سعد عبدالحفيظ أن النقابة لا تبحث عن انتصار سياسي أو تستثمر الظروف لتحقيق مطالب بعينها، وتتعامل مع ملف الرأي والحريات بحسابات وطنية بلا صدام، وأن جهات عدة بالدولة وعدت النقابة بحل ملف المحبوسين في قضايا رأي قريبا، والأمر لن يكون قاصرا على الصحفيين فقط.
وذكر في تصريح لـ”العرب” أن الأجواء السياسية الراهنة تتطلب تعزيز مناخ الحريات للحفاظ على تماسك الجبهة الداخلية ضد أي ضغوط وهذا طرح عقلاني، كما أن نقابة الصحفيين تتحرك في ملف المحبوسين مدفوعة بوجود بادرة أمل من جانب بعض الجهات الرسمية، وتتعامل مع قضية الحريات كأولوية، وهذا من صميم دور النقابة تجاه أبناء المهنة بشكل عام.
وهناك دوائر داخل الحكومة مقتنعة بأن تقييد الحريات الصحفية وقت الأزمات السياسية مهم لتحقيق الاصطفاف في مواجهة الضغوط الخارجية، لكن معارضين لهذا التوجه يبررون موقفهم بأن السلطة إذا أرادت إعلاما هادفا وقت التحديات عليها كف أجهزتها عن المطاردة والسماح بتعدد الآراء بشكل يخدم الدولة والسلطة معا.
كما أن مواصلة نقابة الصحفيين الحديث عن ملف السجناء والحريات هي محاولة إيجابية لتغيير حذر السلطة المبالغ فيه من إطلاق الحريات الإعلامية حتى وقت التحديات، وهذا ضروري لإقناعها بأن استمرار القيود وحبس بعض المختلفين معها يبعثان برسائل قاتمة لما يتم التسويق له من استقرار وأمان وقوة الدولة.
والمهم أن تقتنع الحكومة بأن الرأي يجب أن يُرد عليه بالرأي، وتُدرك أنها جزء من المشكلة، لأن استهداف بعض الصحفيين بذريعة نشر أخبار كاذبة لن يتوقف أمام عدم إقرار تشريع يبيح حرية تداول المعلومات للحد من شائعات تلحق الضرر بالدولة، أي أن غلق هذا الملف يخدم السلطة بالدرجة الأولى، المهم الاقتناع بذلك.
ويبني صحافيون مصريون أملهم بقُرب اقتناص المزيد من الحريات الإعلامية على أن الصوت العاقل داخل السلطة يزداد، ويظهر ذلك في غلق ملف مثل الحبس الاحتياطي وتخفيض مدد الحبس إلى الحد الأدنى، وخروج دفعات من سجناء الرأي مؤخرا، وهي شواهد تبني عليها نقابة الصحفيين مدفوعة بنوايا حسنة للاستجابة لها.
(عن/صحيفة العرب)