فاطمة الربيعي.. ممثلة رائدة ولدت بمدينة الكوت مركز محافظة واسط في العراق، واشتهرت بسيدة المسرح والشاشة العراقية، كما لُقّبت بـ «عاشقة بغداد» و«نخلة العراق الشامخ»، ويشبهها الإعلام والجمهور بالفنانة المصرية القديرة سميحة أيوب...
وكان مصدر سعادة بالنسبة لها لأنها فنانة قديرة وفنانة كل العرب. كما اشتهرت بالكثير من الأعمال الدرامية في السينما والمسرح والتلفزيون، وهي الشقيقة الكبرى للممثلة العراقية زهرة الربيعي.
كانت طفلة صغيرة عندما انتقلت عائلتها بأكملها من الكوت إلى بغداد، حيث سكنت بمنطقة أبو سيفين في باب الشيخ، وفي المدرسة كانت فاطمة الربيعي حريصة على التعلم وممارسة الأنشطة المدرسية، فكانت تقوم بكل الفعاليات المدرسية التي تقام في رفعة العلم يوم الخميس، ومثلت أدوار البنت والولد في تمثيليات صغيرة على مسرح المدرسة، بالإضافة الى عمل الماكياج للطلبة الممثلين. منذ دخولها للمسرح وجدت فاطمة احتضانا واهتماما ورعاية من اهل المسرح والتلفزيون باعتبارها عنصرا نسويا وكونها من بيئة شعبية اجتماعية متغلغلة في أعماق المحلة والمدينة وتحقيق تحفيز اشتغال التفاعل الحسي للجمهور وطبقاته المختلفة لتكشف الأبعاد الفكرية والنفسية وارتباطاتها الاجتماعية في النص والعرض المسرحي بحيث تمكن تلك الوسيلة الثقافية في تشكيل وعي المتلقي في ذلك الوقت والزمن والامكنة من خلال البوح في المشهد المسرحي وتأثيره بالآخر.
الفنانة فاطمة منذ طفولتها أرادت أن تكون متميزة ومتمردة ومتحدية ايضا ولا تعرف السبب، وهي من عائلة ليس لها علاقة بالفن لا من قريب ولا من بعيد ولم يخطر على بال أحد ان فاطمة وشقيقتها زهره الربيعي ستصبحان في يوم ما فنانات معروفات بعد ان شكل لها حضورا، اشتهرت بالكثير من الأعمال الدرامية في السينما والمسرح والتلفزيون. لاسيما أن المسرح العراقي عريق جدا.
منذ بداية وعيها بدأ حب فاطمة الربيعي للفن، وكانت تهرب من الإعدادية التي كانت مجاورة لمبنى الإذاعة والتلفزيون الى الإذاعة، ومن ثم اشتغلت في شركة الجلود (باتا) في الوقت ذاته، كانت بيوت الثقافة في نقابات العمال تقوم بفعاليات فنية بين الحين والاخر وخاصة بالمسرح فكانت فرصتها في اعمال صغيرة ومخرجين هواة، وبالصدفة شاهدها الفنان الراحل الكبير بدري حسون فريد، الذي شعر منذ المشاهدة الأولى أن هذه الموهبة مشروع ممثلة، فدعاها إلى فرقة شباب الطليعة في نهاية الستينيات، وفي ذلك الوقت كانوا يتلقفون العنصر النسوي ليس لامتلاكه الكفاءة أو الموهبة، ولكن لأنه قليل جداً، واستمرت في العمل الفني رغم الظروف والتهديد والقسوة من الأهل، الذين أصبحوا معروفين ووالدها أصبح شاعراً وينادي بحقوق المرأة.
تخرجت من معهد الفنون الجميلة في بغداد، وانتمت إلى المسرح العمالي، وأسند إليها بدري حسون فريد أول دور بطولة في “أشجار الطاعون”، من إخراج جعفر السعدي وتأليف نور الدين فارس. ثم انتمت إلى الفرقة القومية للتمثيل منذ بداية تأسيسها، وشاركت في العديد من الأعمال التلفزيونية والسينمائية والمسرحية المتميزة.
تقول عن الصدفة التي قادتها الى المسرح: حينما شاهدني المخرج الكبير الراحل بدري حسون فريد طلب مقابلتي، ذهبت إليه وقال لي هل ترغبين بالتمثيل، اجبته نعم أنا اعشق التمثيل، قال لي هناك فرقة شباب الطليعة وتنوي تقدم الأعمال الفنية، وفعلا ذهبت إليه واتفقنا وعملت معه في عملين، اتذكر تماما كان الاجر سبعة دنانير، ومن هنا بدأت رحلة التمثيل الشاقة والعذبة في ذات الوقت، انا لا اتناغم مع ذاتي إلا في المسرح، أنا أعتبر من أوائل المؤسسين للمسرح القومي فترة بداياته وهذا شرف لي، كان همنا وزملائي منصب على النهوض بواقع المسرح العراقي، واستطيع ان اقول لقد وفقنا الى حد بعيد في هذا النهوض الذي تحياه الأجيال المتعاقبة بعدنا، وعلى الصعيد الشخصي فقد حصدت جوائز عدة منها بالثمانينيات في مهرجان تونس عن دور نسيبة أحسن ممثلة وجائزة في الجزائر ومصر أيضا حصلت على جائزة وكنت اول عراقية في لجان تحكيم كلها نتاج الجهد في المجال الفني، لقد شهد المجتمع العراقي خلال الفترة الماضية عدة تحولات فكرية واجتماعية وسياسية من جراء الحروب التي تعرض لها المجتمع العراقي وكان للمرأة الدور الاساس في المجتمع من خلال نموه والنهوض بأساسياته، وكثيرة هي الصور الفنية والادبية التي جسدت لنا صورة المرأة ودورها المهم في المجتمع والمسرح كان الاكثر اتساعا في نقل الواقع النسوي، فقد اظهر لنا المسرح صورا عديدة للمرأة منها المتمردة والمساندة للرجل والعاشقة والمضحية فهي رفضت كل ما من حولها من تحولات وتغيرات، وبقت متمسكة بقومتيها وبمبادئها.
وطوال تاريخه العريق، كان المسرح العراقي يشكو من قلة حضور حواء، لطبيعة مجتمعنا وتقاليدنا فإن إقبال المرأة على ارتقاء خشبة المسرح ظل باهتا متواريا، برغم ان المرأة العراقية سجلت حضورا رائعا ومميزا في جميع مجالات الحياة وبرغم كل المصاعب والحواجز شهد مسرحنا العراقي وعلى مدى تاريخه الحافل مشاركات نسوية، حملت صاحباتها الشجاعة سلاحا ليقفن على خشبة المسرح ومنهم الرائدة فاطمة الربيعي بجانب زملائها المبدعين المسرحيين ولتنثر حواء ألقها المطرز بالثقة والاقدام والجمال.
وعلى مدى عقود كان حضور حواء العراقية مسرحيا متقلبا متناسبا مع حالة المجتمع العراقي، وما يكتنفه من متغيرات وعلى كل الصعد، هؤلاء المبدعات اشتغلن بكل زوايا المسرح من تمثيل وتأليف واخراج وتقنيات، وفي ظل دعم ورعاية هذه المواهب النسوية في معاهد وكليات الفنون الجميلة والمسرح المدرسي ومسارح المؤسسات كالمسرح العمالي والفلاحي والطلابي.. توهج الحضور المسرحي لحواء في بغداد بوصفها راعية الثقافة العراقية ثم امتد لمحافظاتنا العزيزة ومنها مدن اقليم كردستان، مبدعات واجهن الصعاب من اجل اثبات وجودهن الابداعي وبالتالي المساهمة بديمومة الالق المسرحي منذ اربعينيات القرن الماضي ومازلن يواصلن العطاء لغاية اليوم .
أول عمل فني لها بعد ان قدمها القدير بدري حسون فريد للتلفزيون وزجها في اول عمل فني وهو بعنوان (ذراع للشغل) تأليف باقر خضير، حيث كان من حق كل فرقة فنية أهلية تقديم عملين للتلفزيون في الشهر، وتوالت بعدها الأعمال التلفزيونية. اول عمل مسرحي لها في فرقة المسرح الشعبي، حيث دعاها الفنان جعفر السعدي لتقديم مسرحية (أشجار الطاعون) تأليف نور الدين فارس الى جانب الفنان صلاح القصب عام 1967 ، ومن حسن حظها أن أول ادوارها كان من الأدوار الرئيسة لكفاءتها العالية، أول اجر حصلت عليه فاطمة الربيعي هو سبعة دنانير حيث اعطاها الفنان بدري حسون فريد سبعة دنانير فاستهجنت ذلك، وأكدت له أنها غير محتاجة للمال فتصورت انه يساعدها ماديا او رحمة بها، إلا انه اكد لها انه أجرها عن ثلاث تمثيليات. ثم شاركت فاطمة الربيعي في العديد من المسرحيات، منها “جزيرة افروديت”، “خادم سيدين”، “جلجامش”، “كان ياما كان”، “أبو الطيب المتنبي». حصلت عام 1983 على جائزة الأداء في تمثيلية “نسيبة” مهرجان التمثيليات التلفزيونية الأول في تونس. فازت في العام 2011 بجائزة مهرجان لندن السينمائي كأفضل ممثلة. جائزة مهرجان الإذاعات العربية عام 1981، وجائزة الدورة التاسعة لمهرجان قرطاج. الفوز لـ 3 سنوات متتالية 1997 و1998 و1999 في الشارقة لعملها التلفزيوني “جزيرة انطوينا”، وجائزة إبداع الدولة العراقية.
في التلفزيون مثلت في مسلسلات كثيرة لا تحصى ولاتعد، نذكر منها ( عنفوان الأشياء / العرف والقانون / بيتنا والبيوت جيران / خيوط الشمس / طرقات الليل / اعاصير / البنات / الحب يأتي من النافذة / الهرب الى الوهم / الشمس في كفي / ذئاب الليل ج 1 / الهاجس / شقة مقابل شقة / الضيف / الدواح / البركان / الحوت والجدار / ربيع شاغر / الرحيل الأخير / اللهيب / النخلة والجيران / النسر وعيون المدينة / انا وأمي / ايام الإجازة / بيت الطين الجزء 1و2 / حكايات المدن الثلاثة / حكاية من زمن الصعب الجزء 1و2 / حنين النوق / دليل القافلة / رباعية الصفعة / الصفقة / صفقة ساخنة / سور الضباب / اللقاء الأخير / عيون الخوف / من يطرق باب الليل / ليل الشتاء / قضية دكتور سين / إنفلوانزا / شمس البوادي / مناوي باشا / نساء في حكاية / أعالي الفردوس / الديرة / حب وأحزان / الوحاش / السر الغامض / الريح والرماد / ساعة صفر حسب توقيت بغداد / النبي ايوب / للنساء فقط / صانع السيوف ).
يعد مسلسلا (الذئب والنسر وعيون المدينة) من الاعمال المتميزة التي بقيت في ذاكرة وضمير المشاهد العراقي ودورها فيه كان قريبا جدا منه لأنها مثلت دور المرأة الشعبية الفقيرة الكادحة التي بإمكانها ان تعمل في أي عمل وتحافظ على عفتها وشرفها، وهذا ما أحبه المشاهد العراقي، حيث من اصعب المشاهد التي واجهتها في هذا المسلسل كان في المشهد الذي تطلب فيه ان تبصق على «إسماعيل الجلبي» عندما جلب لها الملابس وحاول ان يضايقها ويتحرش بها (ولأن الفنان بدري حسون فريد كان أستاذها) فرفضت أداء هذا المشهد إلا ان الأستاذ بدري أقنعنها انه مشهد تمثيلي وطلب منها ولتسهيل الأمر عليها أن تغمض عينيها وتبصق عليه.
وشاركت أيضاً في العديد من الأفلام، منها “إلى بغداد”، “الملك غازي”، “اللعبة”، “سحابة صيف”، “عرس عراقي”، “الفارس والجبل”، “حب في بغداد”، “المسألة الكبرى”، “الاسوار”، “تحت سماء واحدة”، “جسر الأحرار”، “شايف خير”.
أصدرت مذكراتها بعنوان “مذكرات رائدة مسرح”، فضلا عن مشاركاتها في العديد من المؤتمرات والمهرجانات العربية والعالمية، وأول مؤسسة للمسرح القومي العربي ومؤسسة الإذاعة “صوت الجماهير” العراقية.
كل الفنانات اللائي مثلت معهن الفنانة القديرة الرائدة فاطمة الربيعي هن فنانات قديرات، لكني دائما ما أتذكر حين تقدمت لدورة إذاعية وكان معها المذيعة الرائدة امل المدرس بلبل الإذاعة والفنانة القديرة فوزية عارف كانتا بنفس الدورة يدرسون التمثيل الاذاعي فهي تقدر وتكبر فيهن روح التحدي، لهن قدرات هائلة وكبيرة في التمثيل، كذلك كل الفنانات العراقيات فنانات محترمات ولهم دور كبير في تغيير الصورة النمطية عن المرأة.
عن اخر اعمالها كانت مع مسرحية «نساء لوركا» التي عادت بها الى خشبة المسرح بعد غياب طويل، حاملةً شغفها وحبها للمسرح العراقي. تقول عن هذه التجربة: مسرحية «نساء لوركا» تأتي في قلب الإبداع المسرحي العربي، تبرز كعمل درامي يستنطق الألم ليصنع منه شعلة أمل، المسرحية التي أبدعتها الكاتبة والمخرجة العراقية عواطف نعيم، تمثل رحلة فريدة من التحدي والمقاومة الفنية. هي ليست مجرد عرض مسرحي، بل رسالة إنسانية تجسد معاناة المرأة العراقية في ظل الظلم والقهر، وتُبرز قوتها الكامنة التي قد تتحول إلى طوفان يغيّر الواقع. كما ان المسرحية تطرح سؤالاً عميقاً: “هل يمكن للظلم المتوحش أن يحول الإنسان المسالم إلى مستبد؟”، وكأنها تعيد صياغة معادلة الحياة في ظل القمع، حيث يتحول الألم إلى غضب قد يصنع طاغية من قلب المظلوم.
إنها دراما الحب والموت - وهي مزيجٌ متكررٌ في أعمال لوركا - لجميع جوانب الرؤية المأساوية للعلاقات الإنسانية النموذجية.
وتضيف: لم تكن مسرحية “نساء لوركا” مجرد عرض مسرحي محلي، بل استطاع أن يعبر حدود العراق ليصل إلى العالم ففي كل محطة، تكيّف العمل مع طبيعة المكان، من المسارح المفتوحة إلى المغلقة وحتى العروض على سفن ثقافية. أظهرت المسرحية مرونة كبيرة في تقديم رسائلها، مؤكدةً قدرة المسرح على محاورة الأمكنة والجمهور على حد سواء هكذا، تظل “نساء لوركا” شهادة حية على أن الفن، مهما كان بسيطاً، يمكن أن يغير العالم حين ينبع من قلوب تحمل أحلاماً لا تعرف حدوداً.