من حيث الشكل على الأقل، لم يكن موقف بعض حكومات الدول الغربية مفاجئا من قرار إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال ضد رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي ،ووزيره السابق في الدفاع مفاجئا ، لأنه كان منسجما تماما مع مواقفها الواضحة المؤيدة لجرائم الحرب والإبادة التي تقترف في حق الشعب الفلسطيني في غزة ، لكنه من حيث الجوهر و المضمون كان صادما .
فالقول بأن الأمر يتعلق بدولة ديمقراطية ، و برئيس وزراء منتخب ،كان يجب معاملته بطريقة مختلفة ، يطرح إشكالية حقيقية ترتبط بمصداقية القوانين ، إذ حسب ردود الفعل الغريبة هذه ، فإن القانون الدولي يجب استعماله بصفة انتقائية حسب الجهة المستهدفة ، و ليس حسب ما يصدر عنهما ، ولا حسب علاقة ما يقترفونه بالقانون الدولي .
و هكذا ، فإن ردود الفعل هذه تعلن نهاية عهد القوانين الدولية التي وضعت وشرعت لتطبق بصفة متوازنة مع جميع الأشخاص والجهات ، ونهاية زمن المؤسسات الدولية التي وجدت لإنفاذ هذه القوانين ، ونهاية مرحلة التصدي لكل ما من شأنه ردع الخروقات و التجاوزات المقترفة ضد القوانين بصفة عادلة ومنصفة ، والانتقال إلى زمن آخر يتم فيه تسخير القوانين لخدمة المصالح السياسية والاستراتيجية ، وإخضاع المؤسسات القانونية والقضائية المنوط بها تطبيق هذه القوانين حسب ما تقتضيه هذه المصالح . والتجسيد الفعلي لمنطق السيادية ، بحيث يعجز القانون عن الوصول إلى السادة .هذه الانتقائية في تطبيق القوانين الدولية ستضع المساءلة القضائية العالمية أمام منعرج جديد ، تكون فيها القوانين الدولية والمؤسسات المكلفة بإنفاذ القوانين أداة طيعة في أيادي القوى العظمى ، بحيث تصبح هذه المساءلة مقتصرة على الأشخاص المناهضين لمصالح هذه القوى . وهكذا مثلا يقع التمييز في إصدار القرارت القضائية العالمية بين رئيس دولة معادي لمصالح الدول الغربية وتوجد بلاده في حالة حرب معها ، وتقتضي المواجهة في هذه الحالة استخدام سلاح القضاء الدولي للإنتقام وتصفية الحسابات ، وبين رئيس حكومة احتلال يقترف أبشع جرائم الحرب والإبادة ضد المدنيين ، وتقدير المصلحة يقتضي في هذه الحالة حمايته من المساءلة القضائية الدولية وتمكينه من جميع شروط وضمانات مواصلة اقترافها .