رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
ثنائية الأمن والحرية في مكافحة الإرهاب .. التوازن الحساس


المشاهدات 1607
تاريخ الإضافة 2024/11/26 - 11:35 PM
آخر تحديث 2024/12/25 - 7:13 PM

تُعد ثنائية الأمن والحرية واحدة من أبرز القضايا التي تواجه الدول في سياق مكافحة الإرهاب، فبينما تسعى الحكومات إلى تعزيز الأمن لحماية المجتمع من التهديدات الإرهابية، يبرز تحدي الحفاظ على حقوق الأفراد وحرياتهم الأساسية، هذه الثنائية تضع صانعي القرار أمام معضلة تحقيق التوازن بين توفير الأمن وضمان حرية الفرد.
حيث يشير مفهوم الأمن والحرية الى صياغة حالة من الاستقرار والطمأنينة تُمكن فيها الأفراد من ممارسة حياتهم دون خوف من التهديدات، من خلال حماية الأرواح والممتلكات، ومنع الهجمات الإرهابية والكشف عن المخططات.
أما مفهوم الحرية فقد يشير الى تمتع الأفراد بحقوقهم الأساسية مثل حرية التعبير، التنقل، والخصوصية دون تدخل تعسفي من قبل الدولة، وفي ظل مكافحة الإرهاب، تبرز مخاوف من التعدي على هذه الحقوق بحجة تعزيز الأمن.
وفيما يخص العلاقة بين الأمن والحرية فهما مصطلحين مكملين لبعضهما وليس متضادين، فلا يمكن تحقيق الأمن دون احترام الحرية، ولا يمكن ضمان الحرية دون وجود بيئة آمنة، في حين ان المعضلة التي تقف عائق بين المصطلحين هو زيادة الإجراءات الأمنية قد تؤدي إلى تقييد الحريات، بينما قد يؤدي الإفراط في الحرية إلى تسهيل عمل الجماعات الإرهابية.
تأثير مكافحة الإرهاب على الحرية
ان الإجراءات الأمنية التي تقييد الحريات تكمن في المراقبة الجماعية إذ توسعت الحكومات في استخدام أنظمة المراقبة الرقمية والتجسس على الاتصالات للكشف عن الأنشطة الإرهابية، مما يثير قلقًا بشأن خصوصية الافراد والمجتمع، في حين ان الاعتقالات الاحترازية في بعض الحالات، حيث يتم احتجاز الأفراد للاشتباه دون أدلة كافية، مما يثير مخاوف بشأن حقوقهم القانونية، أما فيما يخص تشريعات مكافحة الإرهاب، قد تتضمن قوانين مكافحة الإرهاب مواد تسمح بتوسيع صلاحيات الأجهزة الأمنية، مثل التفتيش دون إذن قضائي أو تمديد فترات الاحتجاز من أجل التحقيق، وفرض الرقابة القانونية على المحتوى الإعلامي أو على منصات التواصل الاجتماعي بحجة مكافحة الدعاية الإرهابية.
أما فيما يتعلق بالأثر النفسي والاجتماعي، فالخوف من الملاحقة قد يؤدي الشعور بالمراقبة الدائمة إلى تقييد الأفراد عن ممارسة حقوقهم بحرية دون خوف أو قلق، وأن التركيز على جماعات معينة قد يؤدي إلى استهداف أفراد بناءً على انتماءاتهم الدينية أو العرقية.
أهمية التوازن بين الأمن والحرية
أن تحقيق الأمان دون التضحية بالحرية يتطلب الحفاظ على الحريات الأساسية الذي من شأنه قد يعزز ثقة المواطنين بالحكومة ويمنع تآكل العقد الاجتماعي بين مكونات المجتمع، مع ضرورة احترام الحرية الذي يعزز من التزام الدولة بقيمها الديمقراطية، مما يقلل من فرص استغلال الجماعات الإرهابية لقضايا الحريات في دعايتها.
أما دور الحرية في مكافحة الإرهاب تتيح للمجتمع مناقشة القضايا الأمنية بحرية، مما يساعد في كشف التهديدات وتعزيز الوعي العام.
التحديات في تحقيق التوازن
ان التهديدات الإرهابية المتغيرة تعد من أكبر المخاطر التي تواجه الحرية، مثل العمليات الفردية والهجمات السيبرانية، حيث تتطلب إجراءات أمنية أكثر تعقيدًا قد تنعكس سلباً على الحرية.
أما التطور التكنولوجي الذي فرض الرقابة الرقمية من خلال الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الكبيرة يثير تساؤلات حول حدود استخدام التكنولوجيا في مراقبة الأفراد، وأن التطبيق غير العادل للإجراءات الأمنية التي تؤدي إلى استهداف فئات معينة من السكان، مما يعزز من الشعور بالظلم والتهميش، وهذا التهديد يسبب حالة من الانقسام االمجتمعي.
استراتيجيات تحقيق التوازن
من خلال التشريعات المتوازنة يمكن أن نحقق التوازن وفق استراتيجيات مؤطرة بقوانين واضحة يجب أن تُحدد حدود وصلاحيات الأجهزة الأمنية، مع ضمان وجود آليات لمراجعة القرارات الأمنية، وحماية الحقوق الأساسية لأفراد المجتمع تضمين بنود تحمي حرية التعبير، الخصوصية، وحقوق المتهمين.
أن منح القضاء دوراً في مراجعة القرارات الأمنية، مما يفرض الرقابة القضائية مع تكثيف دور الشفافية في نشر تقارير دورية حول الأنشطة الأمنية والإجراءات المتخذة لضمان الشفافية.
أما التعاون المجتمعي من خلا إشراك المجتمع يمكن أن يعزيز التواصل مع المواطنين لبناء الثقة والتعاون في الإبلاغ عن الأنشطة المشبوهة، وتكثيف التوعية العامة من خلال تنظيم حملات توعوية حول مخاطر الإرهاب وضرورة التعاون مع الأجهزة الأمنية.
أما على صعيد الثورة الرقمية فأن إستخدام التكنولوجيا بحذر يعد ضرورة حتمية من خلال تحليل البيانات الأخلاقي، مع التأكد التام من أن استخدام البيانات وتحليلها يتم بطريقة تحترم الخصوصية، مع ضرورة تطوير أدوات ذكية مع استخدام تقنيات تتيح الكشف عن التهديدات دون التدخل المفرط في حياة الأفراد.
إن تحقيق التوازن يتطلب النظر الى التجارب الدولية الناجحة حيث ان ألمانيا ركزت على صياغة إطار قانوني صارم يوازن بين مكافحة الإرهاب وحماية الحريات، مع التأكيد على دور القضاء في مراجعة الإجراءات الأمنية، أما تجربة المملكة المتحدة على الرغم من تطبيقها قوانين صارمة لمكافحة الإرهاب، أطلقت برامج لتعزيز الشفافية والمساءلة، مثل لجنة المراقبة المستقلة لقوانين الإرهاب، في حين أن الولايات المتحدة الامريكية وبعد هجمات 11 سبتمبر، وسّعت من صلاحيات الأجهزة الأمنية، لكنها واجهت انتقادات حادة دفعت إلى إجراء إصلاحات لاحقة لضمان حماية الخصوصية، يتضح لنا مما سبق أن التشريعات وصياغة القوانين والمراجعات الدورية لمعالجة الانتقادات هي الحل الامثل لضمان ثنائية التوازن الحساس، بين الأمن والحرية التي تواجه الدول في مكافحة الإرهاب، حيث يتطلب تحقيق التوازن بينهما نهج دقيق يضمن حماية المجتمع من التهديدات الإرهابية دون المساس بحقوق الأفراد وحرياتهم الأساسية، من خلال التشريعات المتوازنة، الشفافية، واستخدام التكنولوجيا بشكل أخلاقي، يمكن للدول تعزيز أمنها القومي مع الحفاظ على القيم الديمقراطية والحقوق الفردية.


تابعنا على
تصميم وتطوير