دعك من العنوان الذي قد يستفز البعض ( لا سيما من المتحمسين للإنترنت والتقنيات الحديثة)، لكن الكتاب يتناول تأثير الإنترنت على الدماغ بتفصيلٍ وتعمق وفقا لنتائج الدراسات في علم الأعصاب وعلم النفس وعلم الاجتماع. صحيح أن الفكرة العامة للكتاب متداولة بكثرة (الإنترنت يفقدك التركيز والتفكير المتعمق)، غير أن المؤلف هنا يبحث الموضوع من عدة زوايا، ويورد تأريخا لتأثير الأدوات على الدماغ البشري.فالأداة أو الوسيلة ليست محايدة، ورغم أننا نحن الذين ننتجها ونتحكم بها مبدئيا، إلّا أنها تؤثر في ارتباطات الدماغ وبالتالي طريقة تفكيرنا وطريقة إنتاجنا الفكري. فمثلا حين تكون أداة الكتابة عبارة عن عظم الحيوان أو اللوح الطيني، لا تتوقع أن تكتب فيه مادة مطولة متعمقة، لذلك حين ظهر الورق وظهرت وسائل الطباعة تغيرت طبيعة المادة المكتوبة نفسها.
من أشد أجزاء الكتاب إمتاعا سرده للنقاش الذي دار بين أفلاطون (المتحمس للأبجدية والكتابة) وسقراط الذي كان يرى في الكتابة تهديدا للتذكر؛ فحين توجد الأفكار مكتوبة لن يجد الإنسان دافعا للتذكر.
وهذا بالضبط ما نتحدث عنه في ما يتعلق بالحواسيب والإنترنت. هناك بالطبع من يتحمس للتقنية ويرى أن المهم ليس الحفظ والتذكر، بل معرفة أين توجد المعلومة وكيفية استخراجها. وهذا صحيح إلى حد ما، لكن الخطورة تكمن في تشتيت عقلك وصرف الانتباه بحيث لا تترسخ المعلومات في ذاكرتك الطويلة بما يسمح لإنشاء ارتباطات مع معلومات أخرى. والمؤلف نيكولاس كار بطبيعة الحال لا يدعو إلى إسقاط التقنية الحديثة ولا ينكر فوائدها والمهارات العقلية التي يضيفها. لكنّه يفسر ما يحدث ويشير إلى المهارات التي تسقط منا دون أن نعي، وهذا ما يدفعنا إلى التفكر في نوع الحضارة والثقافة التي ستنشأ مع الأجيال القادمة (ليس تقليلا من شأنها ولكن فهما لطبيعة تفكيرها ومهاراتها العقلية). لكنّه يؤكد مرةً بعد مرة على أن مهارة التفكير المتعمق الناتج عن القراءة بتركيز قد تأثرت كثيرا وأفقدتنا أشياء كثيرة، لا تنحصر في التفكير بل كذلك في القدرة على التعاطف مع الآخرين.