السيد عبد القادر الحسني الآلوسي
أيّتها الأمةُ الصامتة،
كيف تسقطُ المدنُ تحتَ الركام..
وتلتفُ أجسادُ الأطفالِ حولَ اللهب؟
بينما أنتم…تنامونَ في سريرِ الصمتِ الوثير،
لا يُسمَعُ منكم إلا الشخير!!
تتلذذونَ بشاشاتٍ عمياء
تنقلُ الأخبارَ
كأنّها نشرةُ طقس غبية!!
يارموز الجاهلية
هل ماتت ضمائركم؟
أم أنّكم دربتم قلوبكم على التغافلِ..
حتى لا تسمعوا صوتَ الأنّاتِ القادمِ من تحت الأنقاضِ؟
غزةُ تباد… بيروتُ تختنقُ في عتمةِ الخذلانِ..
صنعاء تُطعن بخنجر الجيران وأنتم تراقبون..
كما يُراقبُ التاجرُ سوقَه،
ينتظرُ الربحَ من آلامِ المسحوقين.
ألا تسمعونَ؟!
الأرضُ تئنُّ تحت أقدامِ الجنودِ،
السماءُ تصرخُ من قنابلِ الأعداءِ،
وأنتم ما زلتم تتجادلونَ على موائدِ الذلِّ
في حدودِ الخوفِ والشجبِ،
وكيفَ تُعدُّ الخيانةُ
بطبقٍ من ذهب
ليبقى أبو لهب.
أمةٌ…
تتراكمُ فيها الوعودُ
كأكوامِ الأوراقِ،
كلُّها تتلاشى
لأنهم بَدَدٌ
عند أول قطرة دم تسيل
على شفاهِ طفلٍ
وديع جميل
قد أُسكتوه إلى الأبد.
كيفَ تتركونَ يداً ممدودةً في الأفقِ
تبحثُ عن يد أخ ناصر …
بينما لكل واحد منكم
ألفُ يد تمتدَ لعدو غادر.
وملتحم لبناني ينادي
إن كرهتموني
فارجموني وعدوي
فعسى أن تصيبوا عدوكم
وليسَ فيكم من رمى حجرا
فيا أسفي..من سيقفُ في وجهِ الخوفِ..
ويقولُ: كفى؟
أيتها الأمةُ المترددة،
حين يحترقُ جسدُ الحريةِ
في شوارعِ غزة ولبنان،
غدوتم شهوداً صامتين
على قبرِ الكرامةِ…
كما كنتم من قبل
فمتى ستنهضون
وتصنعون من أصواتِكم أمواجاً
تهدمُ أسوارَ الظلمِ
وتعيدُ للأرضِ حريةً
سرقتها أيادي الجبناء؟
الكرامةُ ليست كذبةً تُحكى،
أو لوحةً في قصر جبان
هي الدمُ الذي يجري في عروقِ الأحرار،
وزئير الشجعان
فهل ما زالَ فيكم دمٌ
أم جفَّتِ الأوردةُ
من طولِ الهوان؟
وأنتم أيها الحكامُ
يا عروشنا الخاوية،
أنتم كبيوتِ الرملِ على شواطئ الأوهام،
تُشيدونَ أسوارَكم من رمادِ الإنهزام..
وشِباك الخضوع
وتَظنُّون أنَّكم تحكمون الرياح!
لكنَّ الريحَ لا تُطيقُ الخنوع،
ستنهضُ من بين أصابعكم وتُسقطُ قلاعكم الهشة..
كما يسقطُ ورقُ الخريفِ حين تنفخُه أولى نسائمِ الصدق
من أفواه الجموع.
يا ملوكَ السراب...
أيُّ عروشٍ تلك التي تُقامُ على جماجمِ الأطفال؟
وأيُّ مجدٍ يبقى في قصورٍ تُضاءُ بزيتِ الخذلان؟
أنتم دُمىً محشوةٌ بالخوف،
تُحركها أيادي الشيطان
تظنون أنكم أسيادُ القرارِ،
لكنَّكم في الحقيقةِ سجناءُ الكراسي المصفدةِ بسلاسلِ الذلِّ
وأغلال العار.
من أنتم؟
أنتم أشباه الرجال،
أرواحٌ فارغةٌ مثلُ قواقعَ مهجورةٍ على شواطئ التاريخ
وشيء من خبال.
تُطلُّون من شرفاتِ قصورٍ فخمة،
وتحسبون أنَّكم بلغتم الكمال،
بينما أنتم لا ترون سوى صورتَكم المشوهة
على زجاجِ الخيانةِ المغبر ،
وبئس المآل.
أيها الطغاةُ الجبناء،
قلوبُكم ليست سوى حجارةٍ جوفاء،
لا يُسمعُ فيها نبضُ شعبٍ عظيم،
ولا تصرخُ فيها جراحُ المظلومين.
تنظرون إلى دماءِ الشهداءِ
كمن يَنظرُ إلى لوحةٍ معلّقةٍ على جدارٍ قديم،
تعجبون بلونها الأحمر،
لكنكم لا تفهمون أنَّها دمٌ حقيقي،
وأنَّ الحياةَ تجري في شرايينِ الأرضِ
بينما أنتم تسيرونَ نحو الجحيم.
تغلقونَ أبوابَكم أمامَ الرياحِ الحرة،
لكنَّ الرياحَ ليست عابرةً،
إنها تمهدُ لعاصفةٍ
تقتلعُ عروشَكم الفاجرة
كما تقتلعُ الشجرَ اليابسَ
وتزرعُ مكانها بذورَ الحريةِ،
في تربة طاهرة.
أنتم... أمراءُ الوهمِ، ملوكُ اللحظةِ الهاربةِ..
تغرقونَ في بَحرِ الكبرياءِ الزائف،
لكنَّ سفنَكم من ورقٍ،
بأشرعة كاذبة
تتآكلُ في أول موجةِ غضبٍ
تأتي بها أيدي الشعوبِ المظلومة،
وجموعها الغاضبة.
أما شهيدنا، فهو النهرُ الذي لا ينضب..
هو الغيمة التي تُمطرُ في صيف الأيام..
هو الروحُ الخالدة عبر زمن الآلام تُولدُ من تربته ألفُ حياة
أما القاتل.. فهو الظلام الذي يتبدد في نور الحقيقة..
هو الصوتُ الذي يموت مع أولِ صرخةٍ لضحاياه..
سُقط يدفن في ليل نفسه،
ولا يُولدُ إلا في صمت النسيان..
والملعون من أهل الأرض، هو الذي يموت..
والصاعد إلى السماء، يحيا،
لأنه يحيى.