بعد طوفان الأقصى الذي مضى عليه عام كامل (7 أكتوبر 2023) جرى وعلى نطاق واسع تداول مصطلح «اليوم التالي». شرّق الجميع وغرّب بشأن اليوم التالي. وطرحت في هذا السياق أسئلة من قبيل هل تم من قبل قادة حماس لاسيما يحيى السنوار ومحمد الضيف عند دك القبة الحديدية التي تفتخر بها إسرائيل يوم 7 أكتوبر حساب يوم 8 أكتوبر؟ الجواب جاء سريعا وقبل بدء اليوم التالي عندما بدأ رد الفعل الإسرائيلي. هذا الرد الذي بدأ يتصاعد باتجاه حصار غزة ومن ثم إجتياحها بريا بعد إيقاع المزيد من الخسائر البشرية والمادية في القطاع المحاصر أصلا. لسنا بصدد الحديث عن أعداد الشهداء الذين هم بعشرات الآلاف، والجرحى الذين هم كذلك بعشرات الآلاف، ناهيك عن تدمير القطاع بالكامل بحيث تبدو غزة وكأنها محيت من الخريطة. لكن حماس التي كانت أثخنت إسرائيل في اليوم الأول عبر آلاف القتلى والجرحى فضلا عن أسرى بالمئات وهو ما يحصل للمرة الأولى دفعت مقابلهم ثمنا باهظا بشريا وماديا وحتى سياسيا.
دعونا نتحدث سياسيا عن اليوم التالي وما تلاه. هذا اليوم الذي لايزال مستمرا حتى اليوم برغم أن الفاصل الزمني بين اليومين سنة كاملة. هل حققت حماس هدفها من تحطيم القبة الحديدية التي تفتخر بها إسرائيل؟ رمزيا نعم وهو من هذه الناحية إنجاز كبير على المستوى العسكري السوقي. لكن وهنا بهذه الـ «لكن» تسكب العبرات مثلما يقال. هل تحقق الهدف السياسي مما حصل؟ إذا إتفقنا أن «الحرب هي السياسة لكن بوسائل أخرى» كما يقول منظر الحرب كارل فون كلوزفتيتز فإن من المنطقي التساؤل ما الذي حققته حماس التي لم تتمكن حتى الآن من تحقيق صفقة الاسرى الذين كانوا في الأيام بل الشهور الأولى للحرب ورقة رابحة لكنها سرعان ما بدأت تتراجع بعد أن أحسن مجرم الحرب بنيامين نتنياهو إستخدام «اليوم التالي» بينما لم تتمكن حماس من تحقيق ذلك حتى بعد دخول محور المقاومة كله معها.
صحيح أن دخول محور المقاومة عمل على تغيير معادلات كثيرة تعد من الناحية الإستراتيجية ليست لصالح الكيان الإسرائيلي حيث لأول مرة تساقطت الصواريخ في قلب المدن الإسرائيلية ومنها تل أبيب، فضلا عن إفتضاح البنية الهشة للكيان الصهيوني طبقا للتقارير الغربية بالدرجة الأولى. مع ذلك فإن الحكومة الإسرائيلية المتطرفة وفي مقدمتها رئيس الوزراء نتنياهو تستفيد كليا من الدعم الغربي وبالذات الأميركي بينما محور المقاومة الذي أطلق مبدأ «وحدة الساحات» يعاني اليوم من خلل واضح لاسيما بعد نجاح نتنياهو في إغتيال زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله. فالسيد حسن نصر الله يعد بكل المقاييس ليس رمزا للمقاومة اللبنانية فحسب بل هو رمز محور المقاومة كله، الأمر الذي شكلت عملية إغتياله خسارة كبيرة جدا يصعب تعويضها على المدى الزمني المنظور على الأقل.
وطبقا لمفهوم اليوم التالي المستمر منذ سنة فإنه بعد نجاح عملية إغتيال نصر الله وقبله سلسلة من أبرز قادة حزب الله فإن الحديث لم يعد عن اليوم التالي فقط بل عن الأيام التالية. وطبقا لذلك فإن التحدي الأكبر بات هو هل يبقى مفهوم «وحدة الساحات» صامدا مع إستمرار الصمت الإيراني التي بات مطلوبا منها الرد. وحيث أن مؤشرات الرد الإيراني لاتزال ضعيفة فإن المعادلات السياسية في الشرق الأوسط في طريقها الى التغيير نحو ترسيخ مفهوم سياسي طالما جرى الحديث عنه وهو «الشرق الأوسط الجديد» الذي بات يعمل وبقوة على إستثمار مطاطية مفهوم اليوم التالي بعد أن تحول الى سردية سياسية مجالها البرامج الحوارية وصراخ المحليين السياسيين المجانية، بينما ما يجري في المطابخ السرية أمر آخر مختلف تماما.