من الواضح أنّ الاحتلال الإسرائيلي مصرّ على توسيع نطاق عدوانه في لبنان، ويزداد اليقين كلّ يوم أنّ أهداف بنيامين ناتنياهو من العدوان تتعدّى مجرّد القضاء على تنظيم «حزب الله»، بل هي أهداف شديدة الارتباط بجوهر الموضوع بالنسبة للكيان الإسرائيلي وهو التصفية النهائية للقضية الفلسطينية وتأمين «حدوده» استنادا على الرواية الدينية التي مثّلت على مدى الأحقاب حجر الزاوية في الحركة الصهيونية منذ نشأتها، وفي انتهاك صارخ لقواعد القانون الدولي ولقرارات الشرعية الدولية.
وقد نجحت حكومة بنيامين ناتنياهو في إعادة حشد الشارع خلف شعار «إسرائيل القويّة.. هي إسرائيل الآمنة»، وهو ما أدّى عمليا وعلى الأرض إلى التآكل التدريجي لما يسمّى باليسار الإسرائيلي الذي يتبنّى رؤية سلام تقوم على حلّ الدولتين.
وقد أمكن لحكومة دولة الاحتلال تحقيق ذلك بعد عملية « طوفان الأقصى» التي مثّلت في تقدير البعض إهانة كبيرة لحكومة ناتنياهو ولكنّ البعض الآخر رأى فيها «هديّة ومتنفّسا « لحكومة ناتنياهو التي تترنّح على الأرض حينذاك بفعل الحراك الشعبي المعارض لها والمطالب برحيلها وبمحاسبة رئيسها قضائيا .
جيش الاحتلال وبتعليمات من ناتنياهو قرّر ونفّذ عملية تدمير ممنهجة وغير مسبوقة في قطاع غزّة وارتكب أبشع الجرائم في حقّ الشعب الفلسطيني بينها عمليات التهجير القسري والإبادة الجماعية وقطع سُبل الحياة عن الشعب الفلسطيني الذي تمّ عزله بالكامل عن العالم .
وبالتوازي أطلقت حكومة ناتنياهو أيدي المستوطنين للعبث بالممتلكات الفلسطينية في الضفة الغربية وتقتيل الفلسطينيين برعاية واضحة من جيش الاحتلال الصهيوني، وبعد امتهان وتجريد السلطة الوطنية الفلسطينية من أيّ تأثير لها على الواقع الفلسطيني، وفي مناخ دولي طغى عليه العجز والتواطؤ.
بدأ من الواضح كذلك أنّه وبعد الاطمئنان النسبي على الجبهة الفلسطينية المباشرة، انطلق كيان الاحتلال إلى المرحلة الثانية من خطّته الشيطانية وهي ضرب الإسناد المحتمل لأيّ مقاومة وهو ما يفسّر الاستهدافات في لبنان لحزب الله ولفصائل المقاومة الفلسطينية وكذلك في سوريا والعراق واليمن
وقد أمكن تبرير عدوانها المتكرّر والشامل بوجود خيط رابط بين «جبهة الإسناد» هذه وإيران، ما سهّل عليها إيجاد الدعم الدولي لضرب هذه الفصائل التي ترى فيها قوى إقليمية ودولية تهديدا لمصالحها الوطنية.
ناتنياهو يتحدّث الآن عن « وجوب إحداث تغيير استراتيجي في المنطقة « وبدأ الحديث عن « إعادة ترسيم الحدود مع لبنان « و»مراجعة قرار مجلس الأمن عدد 1701»
الذي يُلزم إسرائيل بالانسحاب إلى ما وراء الخطّ الأزرق الفاصل بينها ولبنان، وطالب القرار حينها بـ»ضرورة إيجاد منطقة عازلة بين الخطّ الأزرق ونهر الليطاني جنوب لبنان تكون خالية من أيّ أسلحة ومعدّات حربية باستثناء تلك التابعة للجيش اللبناني وقوات يونيفيل».
وتصرّ حكومة الاحتلال على خلق الظروف الموضوعية لاندلاع حرب إقليمية شاملة تخشاها وترفضها كلّ الأطراف الاقليمية والدولية، وذلك وسط عجز أمريكي لافت في كبح جماح ناتنياهو الذي ينزّل كلّ جرائمه في إطار «حقّ الدفاع عن النفس»، وهو «حقّ» لا تملك أمريكا غير دعمه بالقوّة اللازمة، ما دفع جو بايدن إلى الإعلان عن توجيه «وزير الدفاع لويد أوستن لتعزيز الموقف الدفاعي للقوات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط لردع العدوان والحدّ من خطر اندلاع حرب أوسع نطاقا» .
والأكيد أنّ المنطقة مقبلة على وضع أسوأ لجهة الهيجان الإجرامي الذي يميّز ناتنياهو وحكومته الموغلة في التطرّف، حكومة قرّرت فيما يبدو قصف وتدمير كلّ قواعد وقرارات الشرعية الدولية وهي نصرّة على الذهاب بعيدا في تنفيذ شعارها الميداني، التقتيل ثمّ البحث عن التبرير.