الوصول إلى لبنان لا يمر عبر معابر ما، ولا يتوقف على إذن أو ترخيص ما، إلا من طرف الحكومة اللبنانية بصفتها صاحبة للاختصاص، وإن تقديم الدعم التقني و الفني وإيصال المساعدات الغذائية و الدوائية إلى أبعد نقطة في لبنان ، لا تعترضه صعوبات كبيرة و لا كثيرة . يكفي أن تعلن جهة ما، كما فعلت الحكومة العراقية، عن فتح خط جوي أو بحري، أو حتى بري، لتقديم ما يحتاجه الشعب اللبناني الصامد في مواجهة العدوان الإسرائيلي، الذي تمدد من غزة إلى لبنان، ليؤكد لمن لا يزال في حاجة إلى تأكيد، على أن الهدف الرئيسي من جرائم الإبادة التي يقترفها في غزة ضد المدنيين، بمن فيهم الأطفال و النساء و الشيوخ والمرضى، لا يقتصر على غزة ، بل إن الهدف الرئيسي هو تحقيق حلم إسرائيل الكبرى من البحر إلى البحر بداية من الضفة الغربية ومرورا بلبنان، والقضاء نهائيا على أي شكل أو نوع للمقاومة الوطنية ، بل حتى على التعبير عن معارضة لهذا التمدد الجغرافي الاستعماري الخطير .
لا مانع عمليا من تقديم ما يحتاجه الشعب اللبناني الشقيق من دعم حقيقي على المستويات كافة، وفي مقدمة ذلك الغذاء و الدواء و بناء مستشفيات متنقلة ومآوٍ للنازحين الفارين من جحيم العدوان الإسرائيلي، ودعم إعلامي وديبلوماسي مكثف، يرفع من معنويات هذا الشعب البطل، الذي ينوب عنا جميعا في التصدي إلى البداية الفعلية للتمدد الجغرافي الصهيوني في العالم العربي، ويثبت حقوقه المشروعة في الدفاع عن أرضه وعرضه و شرفه بكل ما تتطلب هذه المهمة النبيلة من شجاعة و جرأة .
طبعا لا يمكن أن يكون التوقيت مناسبا للاختلاف الداخلي والإقليمي العربي حول أداء المقاومة، ومن يصر على فرض هذا النوع من النقاش في هذه الظروف الدقيقة و الخطيرة، فإنما يسعى إلى إضعاف المقاومة ضد الصهاينة ، ويساهم في توفير التربة المناسبة لنجاح العدو في مخططاته الدنيئة ، سواء أكان ذلك عن حسن نية أو غير ذلك مما لم يعد خافيا على الرأي العام.. فالعدو واحد وهو لم يكن يوما في حاجة إلى مبرر ليقترف ما يقترفه من جرائم و مجازر و محارق ، والتاريخ الأسود لهذا العدو يشهد على ذلك . النقاش الداخلي و العربي الإقليمي حاليا يجب أن يقتصر على بحث سبل دعم المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، والمساهمة بأي شكل من الأشكال في التصدي للعدوان ، ويتم تأجيل غير ذلك إلى أن تتوفر الظروف المناسبة التي تسمح بهذا النوع من النقاش، ومن إنجاز تقييم موضوعي و نقدذاتي حقيقي .
نتحدث عن دعم الشعب اللبناني في الظروف الحالية، لأن لغطا ولغوا كثيرين أثقلا مسامعنا فيما يتعلق بدعم المقاومة الوطنية في غزة، وتذرعت أوساط، دعنا نقتصر فيها على العربية منها، بإغلاق معبر رفح وحظر المرور منه، وتحملت جمهورية مصر حملات إعلامية وديبلوماسية في هذا الصدد، وهناك من حمل إغلاق المعبر مسؤولية الأوضاع الكارثية في غزة، ووعد بإرسال الجنود وببناء المستشفيات في أقل من ثلاثة أسابيع، شريطة فتح المعبر. وها هي الأوضاع في لبنان مختلفة تماما، وإن لم تخل من أخطار وتهديدات، إلا أنها مختلفة تماما عن الحالة في غزة، لأن العدو في هذه الحالة لم ينجح في إحكام الطوق الجغرافي على لبنان، وبالتالي لم يعد من مبرر أمام نظام أو حكومة أو منظمة إقليمية ما في تجسيد الشعارات الكبرى التي رفعتها في تفاعل مغلوط مع الأوضاع المأسوية في غزة الصامدة. وبالتالي فإن صمود الشعب اللبناني كشف حجم المزايدات الشعبوية الرخيصة التي اختفت خلفها و احتمت بها بعض الجهات لإنكار عجزها في مناصرة غزة .
لبنان يا سادة مفتوحة وتواجه وحيدة عدوانا صهيونيا مسنودا من قوة الشر في العالم، وفي حاجة ملحة لأبسط شكل من أشكال الدعم، ولا يعيق ذلك معبرا مغلوقا، فهل من مجيب؟