يبدو أن وجود كيان باسم «إسرائيل»، بات مرهونًا ببقاء فتيل الصراع مشتعلًا، وليس مهمًا على أي مستوى من الاشتعال، حتى إذا خفتت حدة اللهب، وسعى الوسطاء المنخرطون في محاولات جادة للتهدئة والوقف التام للحرب، يتم النفخ في كتلة اللهب لتكبر وتمتد نحو سياقات أخرى تلتهم فيها الأخضر واليابس، وهذا ما تابعناه من بعد أكثر من 350 يومًا من الحرب المستمرة على قطاع غزة وامتداد القتال إلى الضفة الغربية، صارت الجبهة اللبنانية بوضوح في مرمى النيران.
الصراع في لبنان يزداد اشتعالا يوما بعد آخر، حتى الوصول إلى أحداث تلك التفجيرات الإلكترونية في أجهزة «بيجر»، تلك الهجمات التي هزت المنطقة، أو بالأحرى زادت أوجاعها القائمة جراء الحرب الشرسة والوحشية في الأراضي الفلسطينية، لتحدث خطوة التفجيرات في أجهزة الاتصال، التي يستخدمها عناصر حزب الله يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين، والتي تم تفجيرها عبر رسائل إلكترونية، حسبما كشفت التحقيقات الأولية، الأمر الذي أسفر عن مقتل أكثر من 30 شخصًا، وإصابة نحو ثلاثة آلاف آخرين، دويًا جديدًا، ومؤشرًا لقيادة المنطقة إلى الهاوية، في تجاهل تام لجميع التحذيرات؛ سواء من أطراف إقليمية أو دولية، ولم تزل الدولة المصرية في مقدمة الذين حذروا من مغبة الصراع الذي تندلع نيرانه تزامنًا مع الحرب ضد غزة.
وأمام ما يحدث من شد وجذب، أو لنقل من مناوشات إيران وأذرعها، وانتقام الكيان المحتل على جميع الجبهات، اتضح بجلاء النية المبيتة للاحتلال وداعميه في واشنطن التي تواصل إلى اللحظة إرسال أسلحتها المتنوعة إلى المنطقة، حيث أعلنت «البنتاجون» إرسال حاملة طائرات وفرقاطات عسكرية إلى المياه الإقليمية في شرق المتوسط.
وكذلك بريطانيا التي دعا وزير خارجيتها ديفيد لامي إلى وقف فوري لإطلاق النار بين الاحتلال وحزب الله في جنوب لبنان، وفي الوقت ذاته يتم التصريح بحق إسرائيل في الأمن والسلم، دون الالتفات إلى الدمار والقتل والتخريب والخسائر المضاعفة المستمرة التي سببها الكيان المحتل لفلسطين والفلسطينيين، ومعظم جبهة الغرب، في العمل على جعل الحرب قائمة والاتجاه لتوسعة رقعتها، واختلاق أزمات متتالية لتحقيق هذا الهدف الذي يضمن مصالح تلك القوى، مع بقاء التحرك الشكلي والزيارات المجانية بهدف ما أسموه وقف إطلاق النار والعمل على التهدئة.
يكثف الاحتلال من الغارات والضربات الجوية بشكل متزايد، وكان آخرها إلى الآن فقط، الغارة المباشرة على الضاحية الجنوبية، بهدف إيقاع أضرار جسيمة بحزب الله باستهداف رموزه وقادته، ولكن الهدف الأكبر والذي يؤكد أنها استفزازات لمزيد من الذرائع والعمل بجهد متسارع إلى انزلاق الأوضاع نحو حرب شاملة، تؤثر على الإقليم بأسره.
وقد امتد الصراع من غزة إلى لبنان، وبعد لبنان سوف يتجه إلى جبهات أخرى، ولتتجه المنطقة نحو تصعيد عسكري، من المؤكد أنه سيؤثر على الوضع الإقليمي برمته، فالمعركة كما يبدو قد بدأت بالفعل، وهناك ترقب مجددًا لرد محتمل من قبل حزب الله على تفجيرات الاحتلال أجهزة الاتصالات، وعلى الضربات المكثفة فوق عدد من المناطق بالجنوب اللبناني، وما بين إيران التي تسعى إلى تعزيز نفوذها الإقليمي، والكيان المحتل إسرائيل الساعي لاستدامة احتلاله والعمليات العسكرية في غزة والضفة التي تتصاعد يوميًا، وفي الوقت ذاته تعزيز علاقاته مع دول تشاركها القلق من «التهديد الإيراني»، وأمريكا التي تعمل على تعزيز وجودها العسكري في الشرق الأوسط، ولديها مصالح إستراتيجية كبيرة بالمنطقة، وتعمل بخبث على الحفاظ على هيمنتها وسيطرتها من خلال حماية حليفتها إسرائيل، وتلتزم تمامًا بأمنها، رافضة حق تقرير المصير للفلسطينيين، دون النظر لأي حسابات خسائر أو مكاسب للشرق، تظل المنطقة فوق صفيح ساخن، وتزداد سخونته بشكل متسارع، مما يستوجب نظرة أكثر اهتمامًا من المجتمع الدولي، لأن وقوع حرب يعني امتدادها لتشمل مناطق متفرقة من العالم وخسائر أكبر للجميع.
نقلا عن «الاهرام المصرية»