لا شك أن سلوك بنيامين نتنياهو نابع من تطلعات شخصية وحسابات سياسية تمسّ مستقبله، وبالتالي تحدد قراراته وخياراته، ان كان في الداخل الاسرائيلي أو في التعاطي مع الحرب في غزة أو الجبهة الشمالية مع لبنان، ولكن ان من السخافة الاعتبار ان ما يقوم به نتيناهو في جبهات الحرب المفتوحة هي منطلقة فقط من حماقات يمارسها وحسابات خاطئة يرتجلها وتقديرات في قراءته للأمور، ومن السخافة أيضا أن نعتبر ان اسرائيل يقودها رجل واحد هو نتنياهو او حتى مجموعة رجال.
لا يعني ما ذكرناه أعلاه أن ليس له تأثير على مجريات الاحداث الفرعية اليومية لكن على المستوى الاستراتيجي لا شك ان التقديرات تذهب الى اعتبارات أخرى، اولها متعلق بتيار عنصري صهيوني عقائدي تُسيّره قناعات ايديولوجية، فلا يمكن تبرئة أي اسرائيلي صهيوني مهما كانت وظيفته ودرجته الاجتماعية من قبوله ورضاه عن آلة الابادة الاسرائيلية، لأن هذا الامر نابع من إيمانه العقائدي وثقافته الصهيونية التي تنبثق من ميول إلغائية فوقية تنتمي أيضا الى الطليعة اليهودية التي تؤمن بأن كينونتها قائمة على عطاء خاص من الله بأنهم شعب الله المختار الذي بإمكانه أن يفعل ما يريد ساعة يريد وكيفما يريد.
المسألة ليست في نتنياهو إذاً، انها في عقلية الإسرائيلي القائمة على تاريخ مشوه هو الخرافة بأنهم شعب الله الاوحد والمختار، وثانيا المجزرة التي لا يتوقفون عن استعراضها لإظهار الظلم الذي تعرضوا له.
وهنا يكمن السؤال المركزي: مَن يحرك السياسة وخطط حكومة نتنياهو؟!
إن اليمين المتطرف في اسرائيل هو من يدير لعبة الحروب والدم وهذا قائم على عقيدة خطرة لن تتوقف في غزة او في لبنان، والوحوش الدموية لا بد ان تتحرك يوما الى ما هو ابعد من لبنان وفلسطين، وإذا نظرنا الى الامر من منطلق علمي فهم ينظرون الى المستقبل من منطلق عقائدي متجذر في اعتبار أن العرب هم خدم الإسرائيليين، وان الارض حدودها ليست فقط فلسطين.
أما على المستوى الداخلي الإسرائيلي الضيق فنتنياهو واليمين المتطرف يحتاجون الى استمرار الحرب لحماية العقيدة اولاً ولحماية الحكومة المتطرفة ثانيا، مما يشير الى استبعاد حسم المعركة قريبا، أقله حتى الانتخابات الأميركية، لإيضاح مرحلة التعاطي المستقبلي مع الفلسطينيين من جهة وحزب الله في الجبهة الشمالية من جهة أخرى، مع احتمالية وصول المرشّح دونالد ترامب إلى البيت الأبيض من جديد وهو الذي خاض معركة السلام لصالح اسرائيل وصفقة القرن التي منحت إسرائيل الدولة القائدة في المنطقة العربية.